زمن الذل العربي
محمد صابر
معلوم أن قوات الاحتلال الإسرائيلي كانت قد انسحبت من قطاع غزة عام 2005، فأخلت المستوطنات التي ظلت تعشش فيه. لكن وبعد هذا الانسحاب، أصبحت إسرائيل تنفذ من حين لآخر عمليات عسكرية تحولت إلى حروب استمرت أسابيع وخلفت آلاف الشهداء.
في السياق ذاته، عشنا ونعيش منذ السابع أكتوبر من السنة الماضية، زمنا جديدا من الذل والمهانة، انشغلت فيها إسرائيل في تجويع وتقتيل إخوان لنا في الدين والملة بغزة الصامدة، ولم تستثن في ذلك الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ والعجزة، كما لم تفرق بين المدارس ولا المستشفيات ولا المساجد ولا بيوت فلسطينيين عزل ظلوا ومازالوا محاصرين بحرا وجوا وأرضا، بل سوت بين الجميع، ووصل عدد الشهداء اليوم 32 ألف و552، فيما بلغ عدد المصابين 74 ألف و980.
المثير في الموضوع، أنه حين استمرت إسرائيل تضرب بدون هوادة، انشغلنا نحن العرب بالإدانة والاحتجاج وباستعطاف الأمم المتحدة ومجلس الأمن وبتدبيج خطابات عصماء، نعلم نحن قبل غيرنا أنها لن تفيد في شيء.
إسرائيل نفسها استغربت لهذا الموقف العربي المخزي، حيث كانت تنتظر رد فعل عنيف من جانب العرب والمسلمين – الخائفين من ربيع عفوا خريف جديد- في مواجهة قصف الأحياء السكنية وكل المرافق، لكنها اصطدمت بموقف غريب لا يتجاوز عبارات لم تعد تجدي ولا تنفع.
بل حتى مجلس الأمن الدولي رفضت إسرائيل في استعلاء لا مزيد عليه بوقف العدوان في غزة. فأمريكا رضخت بكبرياء للشارع الأمريكي وامتنعت عن التصويت على القرار للمرة الثانية بعد ما حدث ما حدث بنفس المدينة خلال أواخر سنة 2008.
وإذا كان للموقف الأمريكي ما يبرره من حيث دعم الآلة الهمجية الإسرائيلية بدون شروط، خاصة وأننا نعلم كما يعلم كل المتتبعين أن أي رئيس لأمريكا لا يصل إلى البيت الأبيض إلا محمولا على أكتاف اليهود. فهم القوة الناخبة الأكثر تأثيرا وهم دينامو الاقتصاد الأمريكي والإعلام وما شئتم.
نقول إذا كان لموقف أمريكا ما يبرره، فماذا يبرر مواقف كافة القادة العرب من المحيط إلى الخليج ؟!
ومن مظاهر الذل أيضا ما بدأنا نقراه ونسمعه من توجه بعض الدول كإسبانيا وايرلندا ومالطا وسلوفينيا نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، إلى جانب 138 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من مجموع 193 دولة.
إذن، نستشف أنه من غرائب ما يحدث أن نجد من ضمن الأجانب من هم أكثر انتصارا للعروبة منا نحن العرب، وهنا يكمن هول المفارقة حين نجد قوات أمن عربية تقمع مسيرات تندد بما يحدث في غزة فيما يشبه التواطؤ.
ونجهد أنفسنا في إيجاد تفسير لما يحدث، فلا نجد سوى عنوانا واحدا نقوله بصراحة وهو أننا نعيش فعلا زمن الذل العربي وكل الأمل في الأجيال الصاعدة التي طال انتظارها لبزوغ شمس عربية تشع بالمجد والنخوة.