مراكز النداء في المغرب: الوجه الآخر لصناعة التشغيل
دابا ماروك
تُعتبر مراكز النداء في المغرب واحدة من أكبر القطاعات التي تستقطب الشباب الباحثين عن فرص عمل، حيث ساهمت هذه الصناعة في خفض نسب البطالة، خصوصاً بين خريجي الجامعات ومتقني اللغات الأجنبية. ومع ذلك، فإن البريق الذي تُظهره هذه المراكز يخفي وراءه معاناة حقيقية يعانيها العاملون في هذا القطاع.
ظروف العمل: ضغط مستمر وأهداف صارمة
يُعد ضغط العمل من أبرز التحديات التي يواجهها مستخدمو مراكز النداء. يُطلب من العاملين تحقيق أهداف محددة تتعلق بعدد المكالمات اليومية، جودة الخدمة، ومدى رضا العملاء. هذه الأهداف تُلزم المستخدمين بالعمل تحت ضغط نفسي كبير، خاصةً مع عدم وجود فترات راحة كافية.
كما أن ساعات العمل الطويلة، التي قد تمتد إلى فترات ليلية أو خلال عطل نهاية الأسبوع، تجعل من الصعب تحقيق توازن بين الحياة المهنية والشخصية. يُضاف إلى ذلك أن عقود العمل غالباً ما تكون مؤقتة، مما يجعل المستخدمين في حالة عدم استقرار وظيفي دائم.
الرواتب والحوافز: الكفاف بدل الكرامة
رغم أن مراكز النداء تُعتبر مصدر دخل جيد مقارنة بوظائف أخرى في المغرب، إلا أن الرواتب غالباً ما تكون غير متناسبة مع الجهد المبذول. يحصل العاملون على أجور أساسية قد تُعد كافية للبقاء، لكنها بالكاد تغطي احتياجاتهم الأساسية، خصوصاً في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة.
أما الحوافز المرتبطة بالأداء، فغالباً ما تكون مشروطة بتحقيق أهداف عالية الصعوبة، مما يجعلها بعيدة المنال للكثيرين. بالإضافة إلى ذلك، تُستقطع مبالغ من الرواتب في حالات التأخير أو الأخطاء، مما يزيد من معاناة الفرق العاملة.
الصحة النفسية والجسدية: ضريبة الوظيفة
يتعرض موظفو مراكز النداء لضغوط نفسية هائلة نتيجة التعامل مع العملاء الغاضبين أو غير الراضين. هذه التفاعلات المتكررة قد تؤدي إلى مشاكل مثل القلق والاكتئاب. أما من الناحية الجسدية، فإن الجلوس لفترات طويلة أمام الشاشات وسوء تصميم بيئة العمل قد يتسبب في مشاكل صحية مثل آلام الظهر والرقبة
غياب الدعم النقابي والقانوني
تُعاني شريحة كبيرة من العاملين في مراكز النداء من غياب الحماية القانونية والنقابية. يخشى العديد من الموظفين من الانضمام إلى النقابات بسبب الخوف من فقدان مناصبهم، مما يجعلهم في مواجهة مباشرة مع الإدارات دون دعم يُذكر. بالإضافة إلى ذلك، يُعد تطبيق قانون الشغل في هذا القطاع محدوداً، حيث تكثر الانتهاكات المتعلقة بساعات العمل والحقوق الأساسية.
أمر حدى ببعض شغيلة بعض المراكز من إحداث مكاتب نقابية داخل مؤسساتهم من أجل المطالبة بحقوقهم. فقد قام هؤلاء العاملون بتنظيم أنفسهم بشكل جماعي لطرح مشاكلهم على الإدارة والعمل على تحسين ظروف عملهم. ساهمت هذه المبادرات في لفت الأنظار إلى التحديات التي يواجهها المستخدمون داخل هذا القطاع، كما أظهرت أهمية العمل النقابي في تعزيز الحوار بين الأجراء وأرباب العمل. ورغم الصعوبات التي تواجه هذه المكاتب النقابية من حيث الاعتراف والدعم، إلا أنها تمثل خطوة أولى نحو تحقيق تغيير ملموس في أوضاع العاملين.
آمال المستقبل
رغم التحديات، يظل هناك أمل في تحسين ظروف العاملين في هذا القطاع. يمكن تحقيق ذلك من خلال:
- تفعيل الرقابة القانونية: لضمان تطبيق قوانين الشغل وتوفير حماية للعاملين.
- تعزيز دور النقابات: لتكون صوتاً للعاملين وتدافع عن حقوقهم.
- تحسين بيئة العمل: من خلال توفير فترات راحة كافية وتصميم بيئة عمل مريحة.
- زيادة الرواتب والحوافز: لجعل الأجور تتناسب مع الجهود المبذولة.
خاتمة
مراكز النداء في المغرب تُعد فرصة عمل للكثيرين، لكنها في الوقت نفسه بيئة مليئة بالتحديات التي تتطلب اهتماماً حقيقياً من قبل الجهات المعنية لتحسين ظروف العاملين وضمان حقوقهم. إن تحقيق هذا التوازن سيكون خطوة مهمة نحو جعل هذا القطاع نموذجاً للتشغيل الكريم والفعال.