العلاج الروحاني: تجارة الأحلام بين أمل وهمي وخرافة مدفوعة الثمن!
محمد أبناي
في زمن التطور التكنولوجي والصعود الصاروخي للعلم، حيث يعالج الذكاء الاصطناعي الأمراض ويرسل البشر إلى المريخ، ما زال بعضنا مصرًا على العودة إلى الكهوف، بحثًا عن “الحل السحري” في جعبة شيخ يعتمر عمامة من القرن الثامن عشر ويزعم أنه يسكن بجانبه سبعة جن!
العلاج الروحاني، أو كما يسميه البعض “تطهير الأرواح”، أصبح بقدرة قادر سوقًا اقتصادية مزدهرة. هنا، لا تحتاج إلى ضمان صحي، بل يكفي أن تأتي ببيضة، قليل من البخور، وربما شعرة من رأس عدوك (إذا كنت محظوظًا بالحصول عليها)، لتفتح أمامك أبواب “المعجزات“!
تبدأ الجلسة الروحانية بموسيقى هادئة… أصوات قرع الطبول ونفحات البخور التي تكاد تخنقك قبل أن تخنق الجهل. ثم يظهر “المعالج”، بملامحه الغامضة ونظراته الحادة التي توحي أنه يعرف عنك كل شيء، بما في ذلك أين خبأت النقود التي ستدفعها له بعد قليل.
يقنعك الرجل (أو السيدة، لأن المساواة وصلت حتى إلى عالم النصب) بأن ألمك النفسي، مرضك المزمن، أو حتى فشلك في الحب والعمل، ليس بسبب قراراتك السيئة أو ظروف الحياة، بل بسبب “عين حاسدة”، أو “جن عاشق”، أو “تابعة متمردة”. وفجأة تجد نفسك تدفع كل ما تملك، لأنك تظن أن العلاج يكمن في طقوس غريبة تتراوح بين رش الماء المالح والصراخ بصوت عالٍ في منتصف الليل.
الطريف أن بعض هؤلاء “المعالجين” يدعون أنهم يعملون وفق أصول “العلم”، بل ويصرون على إقناعك بأنهم خبراء معتمدون في “الطاقة الكونية”. لكن الحقيقة الوحيدة هي أنهم خبراء معتمدون في قراءة لغة جيبك الفارغ!
والمفارقة المضحكة-المبكية أن هذا “العلاج” غالبًا ما يتكلف أكثر من استشارة طبيب متخصص. لكنه يعدك بشيء لا يستطيع العلم أن يقدمه: الأمل المزيف في علبة من الوهم المغلفة بالبخور.
في النهاية، يخرج الضحية (أو “الزبون”) من الجلسة الروحانية، مقتنعًا أنه “تعافى”، أو على الأقل مطمئنًا لأن “العين الحسودة” تم إبطال مفعولها. لكن للأسف، يبقى العقل هو الضحية الحقيقية، غارقًا في مستنقع الجهل المزين بوعود كاذبة.
فإلى متى سنبقى أسرى للجهل، ندفع ثمنًا باهظًا مقابل أمل وهمي، بينما الحل الحقيقي قد يكون في العلم… أو ربما فقط في قرار شجاع بالتحرر من الخرافة؟!