سياسةمجتمع

السياسة في زمن الكذب: لماذا ينافقون؟

دابا ماروك

إذا كنا لا نعمم، فإننا لا نعمم. ومع ذلك، لا يمكننا تجاهل السؤال المحير: لماذا ينافقون؟ ولماذا يكذبون؟
الحديث هنا ليس عن أولئك الذين يمارسون السياسة كفن نبيل لخدمة المجتمع، بل عن محترفي السياسة الذين حولوا الساحة السياسية إلى سيرك بلا أخلاق، حيث يمشي المواطن على حبل مشدود بين وعودهم المتناقضة وتصرفاتهم اليومية التي تفضح زيف شعاراتهم.

السياسة بلا أخلاق: المهزلة التي تتكرر كل انتخابات
ربما قد حان الوقت لنواجه الحقيقة: السياسة في عصرنا لم تعد فن الممكن، بل أصبحت فن الكذب المتقن. البرامج الانتخابية، التي يُفترض أن تكون عقودًا اجتماعية بين السياسيين والناخبين، أصبحت أشبه بقصص الخيال العلمي، مليئة بوعود وردية يعرف الجميع أنها لن تتحقق. وكأن الناخب مجرد طفل صغير تُغريه الحلوى.

خذ على سبيل المثال تلك الجملة الشهيرة التي يرددها معظمهم: “سنعمل على تحسين معيشة المواطن”. والسؤال الذي يطرح نفسه: أي مواطن؟ ذلك المواطن الذي ينظر من نافذة بيته المهترئ، يرى النفايات المتراكمة، ويشتري خضاره بأسعار تعادل ميزانية فيلم هوليوودي؟ أم المواطن الذي يحلم بالكهرباء في قريته؟ أم ربما المواطن الذي لا يزال ينتظر طريقًا يصل بينه وبين العالم الخارجي؟

الكذب المنهجي: مدرسة سياسية متكاملة
السلوك اليومي لبعض السياسيين لا يعكس فقط الكذب، بل يجعل الكذب سياسة منهجية. كل شيء مبرر: من التملص من الإجابة على أسئلة الصحافة الجادة، إلى التقاط الصور في مواقف غير منطقية، وكأنها محاولة لتصوير أنفسهم كأبطال خارقين. هل تتذكر ذلك السياسي الذي التقط صورة وهو يزرع شجرة صغيرة وكأنه ينقذ الكوكب؟ بعد أسابيع، كانت الشجرة قد ذبلت تمامًا مثل وعوده.

أما عن الشفافية؟ فحدث ولا حرج. إذا كنت تنتظر تقريرًا ماليًا واضحًا أو توضيحًا لكيفية صرف ميزانية معينة، فعليك الانتظار طويلاً، وربما تحتاج إلى التقاعد قبل أن تحصل على جواب.

السياسة بين الوعود والصمت المطبق
لا يمكننا تجاهل الطريقة التي يتجنب بها بعض السياسيين أي التزام واضح. تجدهم بارعين في تقديم الوعود الغامضة. جمل مثل “سنعمل جاهدين”، و”سنسعى لتحقيق الأفضل”، تجعل المواطن يتساءل: جاهدين في ماذا؟ والأفضل بالنسبة لمن؟

وفي المقابل، هناك نوع آخر من السياسيين الذين يتحدثون كثيرًا ولا يقولون شيئًا. خطاباتهم مليئة بالكلمات الرنانة مثل “التقدم”، و”الرخاء”، و”الكرامة”، لكنها خالية من أي مضمون حقيقي.

السياسة بلا كاريزما: متى فقدنا الإلهام؟
لعل ما يثير السخرية أكثر هو أن بعض السياسيين لم يعودوا حتى يحاولون إظهار الكاريزما. حضورهم باهت، وابتسامتهم مزيفة، وكأنهم موظفون في شركة حكومية مهترئة. المواطن الذي ينتظر قائدًا ملهمًا يجد نفسه أمام شخصية نمطية تكرر نفس الشعارات، وكأنها تُقرأ من نص محفوظ.

الخلاصة: متى سيستفيق المواطن؟
قد يبدو هذا الحديث ساخرًا، لكنه يعكس واقعًا يعيشه المواطن كل يوم. إذا كنا لا نعمم، فإننا لا نعمم. لكننا نتساءل: متى سيفهم المواطن أن وعود السياسة ليست سوى قناع يرتديه البعض؟ ومتى سيطالب بمحاسبة حقيقية لكل من يعتلي منصات الخطابة ويبيع الأحلام؟

السياسة ليست مجرد لعبة كلمات، بل مسؤولية تجاه الناس. وحتى ذلك الحين، سنظل ننتظر ذلك اليوم الذي تتحقق فيه وعود السياسيين، أو على الأقل، يكفون عن الكذب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى