مؤسسة وسيط المملكة: تزايد التظلمات وزيادة في الأرقام… ولكن هل من حل حقيقي؟
دابا ماروك
في سنة 2023، سجلت مؤسسة وسيط المملكة 7246 شكاية وطلب تسوية، وقد بدا الرقم مثيرًا بشكلٍ غير تقليدي، يطرح تساؤلاتٍ عديدة حول واقع التظلمات في المغرب. الفرق بين 2022 و2023 ليس مجرد زيادة في الأرقام، بل هو مؤشر واضح على تزايد حجم الإحباط تجاه الأداء الإداري. زيادة بنسبة 29.78% في عدد التظلمات بين عامين متتاليين يعكس واقعًا لا يحتاج إلى تفسير معقد. لكن، مهما كانت النسبة، فإن الحقيقة تبقى واحدة: المواطنين في المغرب يعانون من “تسويف” غير مسبوق.
لنعد إلى الأرقام الأكثر إثارة للجدل. من بين 7246 تظلُّمًا، بلغ عدد التظلمات التي تدخل ضمن اختصاص المؤسسة 5374، وهذه زيادة مذهلة (1233 تظلُّمًا) مقارنة بالعام الماضي. لكن، أن تتحول هذه الأرقام إلى تقرير يرصد “تحولًا إيجابيًا” في علاقة المؤسسة بمتظلميها، فهذا يستدعي وقفة عميقة. كيف يمكننا الحديث عن تحوّل إيجابي في حين تزداد الأعداد بشكل مضطرد؟ هل التحول هو في تزايد التظلمات، أم في أن المواطن صار أكثر جرأة في رفع صوته؟ أم أن هناك شيئًا آخر لا نعلمه؟
أحد الملفات المتجددة كان قطاع العدالة، الذي صعد إلى المرتبة الأولى في شكاوى التوجيه، مما قد يثير السخرية بشكل غير مباشر. إذا كانت العدالة هي القطاع الذي يشهد أكبر عدد من التظلمات، فما هو المعنى الحقيقي لهذه الزيادة؟ هل تعني أن النظام القضائي أصبح أكثر إنصافًا، أم أن المواطنين أصبحوا أكثر إدراكًا لحقوقهم؟ أم ربما أن الأمور تسير وفق مبدأ “الحاجة أم الاختراع”، حيث بات الكل يجد طريقة لإيصال صوته من خلال التظلمات؟
أما في ما يتعلق بالقطاعات الأخرى، فقد احتل قطاع الداخلية المرتبة الأولى في التظلمات، وهو ما لا يحتاج إلى تعليق طويل. 1447 تظلُّمًا تشير إلى حجم اللامبالاة التي تعيشها بعض الإدارات المحلية. الأرقام تفضح ما يختبئ خلف الإحصائيات: المواطن الذي يجد نفسه عالقًا في دوامة الإجراءات المرهقة والمماطلة التي تنبع من “داخلية” لا تكترث للمطالبات.
وفي مجال الاقتصاد والمالية، ظل القطاع في المرتبة الثانية، مع تسجيل 780 تظلُّمًا، وهو ما يفتح المجال للعديد من الأسئلة. هل الأرقام تترجم الواقع الاقتصادي للمواطنين، أم أنها مجرد انعكاس لصعوبات تسيير الأموال في القطاع العمومي؟ أما قطاع التربية الوطنية، فقد احتل المرتبة الثالثة مع 571 تظلُّمًا. من يدري، ربما أصبح المواطنون يملكون شجاعة أكبر في التعبير عن معاناتهم اليومية في المدارس، التي قد لا تلبّي تطلعاتهم.
وتجدر الإشارة إلى أن معالجتها لهذا الكم الهائل من التظلمات شهدت زيادة جيدة. ففي حين كان عدد التظلمات المعالجة في 2022 يبلغ 4555، قفز هذا الرقم ليصل إلى 5448 في 2023، وهو ما يعني ببساطة أن الإجراءات لم تعد تقتصر على الحفظ والتجاهل كما كان الحال في السابق. لكن لا يجب أن ننسى أن الأرقام التي تحققت كانت تتوزع بين قرارات بالحفظ، قرارات بعدم القبول، وقرارات بعدم الاختصاص. فهل هذه القرارات تُعتبر حلًا للمشاكل، أم أنها مجرد “كبسولات مسكنة” لا تعالج الجذور؟
ومع مرور الوقت، يبدو أن مؤسسة الوسيط وجدت لها دورًا آخر، وهو إصدار التوصيات. في 2023، أصدرت 297 توصية جديدة، حيث تم تنفيذ 242 منها بنسبة 81.48%. لكن ماذا عن النسبة المتبقية؟ هل تبقى التوصيات مجرد حبر على ورق؟ ربما تحتاج المؤسسة إلى ابتكار وسائل جديدة لتفعيل هذه التوصيات بشكل أكثر جدية.
في الختام، تظل الأرقام والتقارير مجرد صورة تجريدية لما يحدث خلف الأبواب المغلقة. سيظل المواطن يرفع صوته من خلال التظلمات طالما ظلت الإدارات لا تكترث له بما يكفي. وكما قال وسيط المملكة، “المؤسسة ما فتئت تدعو الإدارة إلى ضرورة إيجاد صيغ أكثر اجتهادًا”. لكن في ظل هذه الأرقام، قد يكون الاجتهاد هو أن يتم إغلاق الأبواب على أمل أن تختفي المشاكل… ولكن، هل حقًا تختفي؟