من لا يصنع الخير لأقرب الناس إليه: تأملات في ظاهرة العقوق
دابا ماروك
عندما نتحدث عن العقوق، فإننا لا نشير فقط إلى التمرد السلوكي أو التقاعس عن أداء الواجبات تجاه الوالدين، بل نحن نتناول ظاهرة إنسانية عميقة تستحق النظر. ظاهرة العقوق قد تبدو ظاهرة فردية عند البعض، لكنها في الحقيقة تعكس مؤشرات ثقافية واجتماعية تحتاج إلى اهتمام عميق.
ماذا يحدث عندما يتجاهل الأبناء أقرب الناس إليهم؟ لماذا يبدو من الطبيعي في بعض الأحيان أن نبتعد عن أولئك الذين منحونا الحياة وأوكلونا بحبهم؟ وفي هذا السياق، نجد أنفسنا في مواجهة مع أسئلة تتعلق بالقيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية التي تشكل علاقة الأبناء بآبائهم وأمهاتهم.
العقوق: ليس مجرد تجاهل للأبناء
إن العقوق لا يقتصر على أولئك الذين يعيشون في مستويات اجتماعية منخفضة أو الذين يعانون من مشاكل نفسية أو اجتماعية. بل يتجاوز ذلك ليشمل نماذج قد تجدها في أعلى مراتب السلطة والمال. كيف نفسر ذلك؟ كيف لشخص في منصب قوي أن ينكر والده أو والدته، حتى في الظروف التي تستدعي الدعم والرعاية؟
خذ على سبيل المثال مديرًا في موقع مرموق رفض الاعتراف بوجود والده، أو آخر منع والدته من دخول بيته الفاخر، في حين أنها كانت تأتي لتنتظره لساعات طويلة أمام منزله. من المؤكد أن هذه المواقف لا تعكس فقط مشكلة سلوكية فردية، بل هي انعكاس لظروف اجتماعية وثقافية تؤدي إلى غياب مشاعر العاطفة والواجب.
ما الذي يدفع إلى العقوق؟
الأنانية، القيم الفردية، والضغوط الاجتماعية قد تكون أسبابًا رئيسية في انتشار هذه الظاهرة. ففي عالم يسعى فيه الناس إلى النجاح الشخصي وتحقيق الذات، قد ينسون أحيانًا أهمية الحفاظ على الروابط الأسرية والإنسانية.
- التغييرات الثقافية: مع تحول المجتمعات نحو قيم الفردانية والتمحور حول الذات، يتراجع الاهتمام بالجماعة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الأسرية.
- الضغوط اليومية: العمل، الحياة الشخصية، ومشاغل الحياة قد تجعل البعض يشعرون بأنهم في سباق مستمر لا يتوقف للاهتمام بمن هم في حاجة إلى العناية والرعاية.
العقوق وتأثيره على الجميع
العقوق لا يؤثر فقط على الأبناء الذين يظنون أنهم يمكنهم تجاهل والدتهم أو والدهم، بل له تأثير عميق أيضًا على الآباء والأمهات الذين يعانون في صمت، يشعرون بالألم النفسي والخذلان. هذا الألم قد يمتد ليشمل المجتمع ككل، حيث تضعف قيم التضامن العائلي والتعاون بين الأجيال.
أثر العقوق على الأبناء والمجتمع
الأبناء الذين ينكرون والدتهم أو والدهم قد يعانون من صراعات نفسية وداخلية طويلة الأمد. هذه الصراعات قد تظهر في شكل مشاعر الذنب أو الفراغ العاطفي. وفي حال استمرت هذه الظاهرة، قد ينتج عنها مجتمع يفتقر إلى الرابطة الإنسانية، مما يؤدي إلى زيادة العزلة وفقدان الإحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين.
كيف نواجه هذه الظاهرة؟
لتصحيح مسار هذه الظاهرة، نحتاج إلى:
- التوعية الثقافية والدينية: تعزيز قيم البر والاحترام تجاه الوالدين من خلال التربية الدينية والثقافية.
- الاعتناء بالصحة النفسية: تقديم الدعم للأفراد الذين يعانون من صراعات نفسية قد تؤثر على سلوكهم تجاه عائلاتهم.
- إعادة إحياء القيم الإنسانية: خلق بيئة اجتماعية تشجع على الاحترام المتبادل ورعاية كبار السن من خلال وسائل الإعلام والأنشطة المجتمعية.
الخلاصة
العقوق ليس مجرد تجاهل للأقربين أو تراجع عن مسؤولياتنا تجاههم، بل هو ظاهرة اجتماعية ونفسية عميقة تحتاج إلى معالجتها على مستوى الأفراد والمجتمعات. إذا أردنا بناء مجتمع قوي، متماسك، ومترابط، يجب علينا أن نعيد النظر في طريقة تعاملنا مع أسرنا وأن نضع العاطفة والواجب في أعلى سلم الأولويات.
فإذا لم نكن قادرين على صنع الخير في أقرب الناس إلينا، فمن سيستحقه؟