مجتمع

أينكم يا دعاة العمل الجمعوي؟

دابا ماروك

معلوم أن مدننا، بل حتى قرانا، قد عرفت في السنوات الأخيرة تفريخًا كبيرًا للجمعيات، حتى يكاد يخيل أن هناك جمعية لكل مواطن. بعيدًا عن المبالغة، نؤكد أن الجمعيات الجادة تشكل الاستثناء، فيما كثيرون، بما فيهم العنصر النسوي، يبحثون عن بطاقة زيارة ومعها في المحفظة طلب الدعم من أجل تغطية الأنشطة التي قد تنجز أو لا تعرف النور. باختصار شديد، موضوعنا يتعلق بإخوان لنا في الجنسية من يقضون لياليهم في العراء في هذا الوقت بالذات.

ظاهرة التفريخ الجمعوي: لقد شهدت العديد من المناطق في المغرب، سواء في المدن أو القرى، ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الجمعيات التي تم تأسيسها خلال السنوات الأخيرة. إذا كان من المفترض أن يكون لكل جمعية هدف اجتماعي أو ثقافي أو بيئي أو حتى اقتصادي يسعى لتحقيقه، فإن الواقع يختلف. ففي الوقت الذي يعاني فيه العديد من المواطنين من الفقر، البطالة، والمشاكل الاجتماعية المتنوعة، نجد أن عددًا كبيرًا من الجمعيات لا تتعدى كونها مجرد “واجهة” للحصول على التمويلات المحلية أو الدولية دون أن تُسهم فعليًا في تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للناس.

الجمعيات: من دعم الفكرة إلى استغلال الدعم: إن المشكلة الأساسية تكمن في أن الدعم المالي الموجه للجمعيات، سواء من قبل الدولة أو من قبل المنظمات الدولية أو من قبل الجماعات الترابية، قد لا يصل إلى مستحقيه. بدلًا من أن تُخصص هذه الأموال لتنظيم برامج حقيقية تساهم في تطوير المجتمع المحلي، يُستغل الدعم في تمويل أنشطة موسمية أو “اجتماعات” لا تحمل طابع الاستمرارية أو التأثير. في هذا السياق، نجد أن بعض الأفراد، بمن فيهم النساء في بعض الأحيان، يبحثون عن “بطاقة زيارة” من خلال إنشاء جمعيات وهمية أو غير فعالة، بهدف الحصول على تمويلات لتغطية تكاليف قد تكون وهمية أو غير موجهة بشكل صحيح.

الحاجة للعمل الجمعوي الحقيقي: في مقابل هذه الظواهر، نجد أن هناك جمعيات جادة ومجتهدة تعمل بصمت على الأرض، دون أن تبتغي الشهرة أو الدعم المادي المبالغ فيه. هذه الجمعيات تركز على تلبية احتياجات المجتمع، وتعمل على إحداث تغييرات حقيقية في حياة الأفراد، خصوصًا في مجالات التعليم، الصحة، أو حتى التمكين الاجتماعي والاقتصادي. ولكن، مع الأسف، هذه الجمعيات لا تحظى بالاهتمام الذي تستحقه، بل يُغفل دورها في غالب الأحيان لصالح الجمعيات التي تتبع مصالح فردية أو غير مدروسة.

الحالة المأساوية لبعض المواطنين: أما فيما يتعلق بالشق الأكثر مأساوية من الموضوع، فإنه في الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن الجمعيات وأنشطتها، نجد أن هناك فئات واسعة من المواطنين، خصوصًا في المناطق الحضرية مثل الدار البيضاء، تعاني في صمت. هؤلاء الأشخاص، من بينهم مشردون يقضون لياليهم في العراء، يواجهون تحديات هائلة تتعلق بالحصول على سكن أو أدنى شروط الحياة الكريمة. للأسف، هذه الفئة لا تجد الدعم الكافي من الجمعيات التي يُفترض أن تكون هناك لخدمتها. بل قد يكون الكثير من العمل الجمعوي منشغلًا بأنشطته “البروتوكولية” أو الفلكلورية، بعيدًا عن معالجة المشاكل الحقيقية التي يعاني منها المجتمع في بعض مناطق المغرب.

الاستجابة المطلوبة: بلا شك، هناك حاجة ماسة إلى تغيير جذري في طبيعة العمل الجمعوي بالمغرب. من الضروري أن تُركز الجمعيات على تلبية احتياجات الفئات الهشة والمهمشة، بدلاً من الانشغال بالمكاسب المادية أو الاجتماعية الفارغة. العمل الجمعوي يجب أن يكون أكثر من مجرد تجميع للأشخاص تحت مسمى “جمعية”، بل يجب أن يرتكز على مشاريع حقيقية تساهم في تغيير حياة المواطنين إلى الأفضل.

لا يمكن أن تظل الجمعيات تتغنى بالإنجازات المتخيلة، بينما يجد المواطن نفسه غارقًا في مشاكل الحياة اليومية من دون أي دعم حقيقي. قد تكون هذه الدعوة بمثابة اختبار حقيقي للمجتمع المدني بالمغرب: هل ستستمر الجمعيات في استغلال القضايا الإنسانية لأغراض شخصية، أم ستتكاتف وتعمل بشكل جاد في خدمة الفئات الضعيفة والمحرومة؟

خلاصة: إن العمل الجمعوي يجب أن يكون أكثر من مجرد وسيلة للحصول على الدعم المادي، بل يجب أن يتبنى نهجًا اجتماعيًا هادفًا، يركز على تمكين المواطن، خاصة أولئك الذين يعانون من الفقر والتهميش. “أينكم يا دعاة العمل الجمعوي؟” هو في الواقع سؤال يوجه لنا جميعًا كمجتمع، في انتظار أن تتحقق التغييرات التي ترفع من مستوى التزامنا بتوفير حياة أفضل للجميع.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى