مجتمع

وزارة الاتصال والحكم بالإعدام على الصحافة الورقية: مسرحية “دعمك يقتلني”

دابا ماروك

في واحدة من أغرب فصول الكوميديا السوداء الحكومية، يبدو أن وزارة الاتصال ووزارة العدل قررتا تقديم الصحافة الورقية قربانًا على مذبح العصر الرقمي. تحت غطاء الدعم الحكومي المزعوم، تتهاوى أرقام مبيعات الصحف الورقية إلى قاع الكارثة، فيما تنتظر المنصات الرقمية إعلان وفاة الحبر على الورق بفرح شديد.

دعم أم عملية انعاش فاشلة؟

منذ جائحة كورونا، خرجت الوزارة بحزمة دعم سخية قيل إنها لإنقاذ الصحافة من الغرق. ولكن، ما بين المليارات الموزعة والطباعة التي تحولت إلى رياضة خاسرة، يظهر جليًا أن الدعم مجرد كمامة تخنق أكثر مما تُسعف.

بينما تتحدث الحكومة عن “إعادة الصحافة إلى طبيعتها”، تسير الأمور نحو الانقراض التدريجي. أرقام الدعم تشبه ميزانية فيلم سينمائي ضخم، ولكن من نوع الدراما التراجيدية. من 161 مليون درهم سنة 2021 إلى 325 مليون درهم في 2024، الدعم موجود، لكن أين القرّاء؟

الأحزاب السياسية: عندما تكون الصحافة بلا لسانين

ومن المفارقات اللطيفة، أن وزيري الاتصال والعدل ينتميان لحزبين لا يملكان جريدتين ناطقتين باسميهما، وكأنهما يعيشان في عصر التواصل الصامت. لربما يراهنان على نموذج إعلامي “شفهي” يعتمد على إشاعات الواتساب بدلًا من الصحافة المكتوبة.

المنصة القضائية: مشهد قتل الإعلانات

في زحمة الوعود والخطابات، فجّرت وزارة العدل قنبلة بإعلانها عن منصة رقمية خاصة بالإعلانات القضائية، ضربة موجعة تُجهز على آخر موارد الصحف الورقية. يبدو أن الصحف باتت بين مطرقة الإعلانات الحكومية المفقودة وسندان القراء الذين هجروها لصالح التغريدات والـ”تيك توك”.

“تهيييج الصحافة” أم تهدئة الجيوب؟

وفي لحظة فلسفية على طريقة سقراط، أشار الوزير إلى أن بعض الصحف تمارس “التهييج”. عفوًا، يا وزير، ولكن كيف لصحافة تعاني من فقر الدم الورقي أن تُهيّج الرأي العام؟ هل يُعقل أن ورقة جريدة، بالكاد تجد من يشتريها، تصبح سلاحًا خطيرًا في معركة الديمقراطية؟

نموذج اقتصادي أم مشروع دفن؟

الحكومة تدّعي أنها تبحث عن نموذج اقتصادي مستدام للصحافة، لكنها في الواقع تشبه طبيبًا يحاول علاج مريض باستخدام وصفات طبية منتهية الصلاحية. المثير للسخرية هو أن الدعم يُقدّم على شكل أرقام خرافية، لكن الصحافيين أنفسهم بالكاد يحصلون على الحد الأدنى من الأجور والمعروف في مجال الصحافة.

الصحافة الورقية في غرفة الإنعاش

بناءً على التصريحات الأخيرة، يبدو أن الصحافة الورقية في المغرب تعيش أيامها الأخيرة. الحكومة تعلن أنها “تواصل النقاش”، لكن الجميع يعلم أن النقاش في هذه الحالة أقرب إلى كلمات العزاء.

“مارس.. لحظة الحقيقة”

ربما تحتاج الصحافة الورقية إلى جلسات علاج نفسي جماعي لتجاوز صدمة مارس، أو ربما إلى تأسيس “جمعية ضحايا توقف الدعم الحكومي”. الحقيقة الوحيدة أن هذا الشهر لن يكون كباقي الأشهر؛ فهو فصل جديد في رواية الصحافة المغربية، إما البقاء أو الدخول في سبات أبدي.

خاتمة:

بينما تنتظر الصحف شهر مارس بقلق يشبه قلق تلاميذ الباكالوريا، يمكن أن نتصور حوارًا بين الصحف:

الأولى: “هل سننجو؟”
الثانية: “إذا عاد القراء، ربما… لكن لا أراهن على ذلك!”

إذا استمرت هذه السياسات، سنجد قريبًا كتبًا مدرسية للأطفال تحمل عنوان: “تاريخ الصحافة الورقية: من المجد إلى الرفوف المكسورة”. وفي مقدمة الكتاب، قد نقرأ: “كان يا ما كان، في بلاد الحبر والورق، صحافة عاشت يومًا، لكنها ماتت بفعل موت الدعم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى