الشيشة بين الاقتصاد والقانون: نداء أرباب المقاهي في مراكش
دابا ماروك
في مدينة مراكش، حيث تنبض الحياة ليلاً بألوانها وأضوائها وصخب سهراتها، أُلقيت الشيشة في مرمى النيران. لقد تحوّل الدخان المتصاعد من هذه الأنبوبة المزخرفة إلى دخان سياسي وقانوني كثيف، يهدد بخنق أصحاب المقاهي وأرزاق آلاف العاملين. حملة مداهمة تلو الأخرى، وأرباب المقاهي، الذين اعتادوا استقبال الزبائن بأصوات النرجيلة المميزة، يجدون أنفسهم اليوم في مواجهة مع ما يصفونه بـ”حصار اقتصادي”.
نداء استغاثة وجهه هؤلاء إلى والي جهة مراكش-آسفي، يحمل في طياته مطالب واضحة: “أنقذونا من الغموض القانوني!”. هذا النشاط، الذي يرونه حجر الأساس في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، مهدد اليوم بالاختفاء. “الحملات لا تُطفئ فقط الشيشة، بل تُطفئ مصدر رزق آلاف الأسر”، هكذا يصرخ أصحاب المقاهي.
من منظورهم، لا تكمن المشكلة في تنظيم الحملات بحد ذاتها، بل في غياب إطار قانوني واضح يُنظّم نشاطهم. إنهم مستعدون لاتباع شروط السلامة والامتثال للمعايير الصحية، لكنهم يطالبون السلطات بتوضيح الخطوط الحمراء بدلاً من تركهم في دائرة استهداف دائم.
الشيشة، التي كانت رمزًا للاسترخاء والترويح عن النفس، تحوّلت اليوم إلى رمز للصراع بين ما هو اقتصادي وما هو قانوني. فهل تنجح المناشدات في فتح باب الحوار، أم أن أضواء مراكش ستظل خافتة تحت وطأة هذه الحملات؟
قوانين بين الواقع والتطبيق
لا يمكن إنكار أن نشاط تقديم الشيشة يقع في منطقة قانونية رمادية، حيث تتضارب النصوص والتطبيقات. وفقًا لـ القانون رقم 46.02 الخاص بنظام التبغ الخام والتبغ المصنع، يُمنع بيع واستعمال التبغ غير المرخص، بما في ذلك “المعسل”. كما يُحدد المرسوم رقم 2-06-386 الإجراءات التنظيمية المتعلقة بالتبغ، لكنه يترك فراغًا تشريعيًا بشأن تنظيم نشاط تقديم الشيشة في الأماكن العمومية.
ورغم وجود قوانين محلية تمنع تقديم الشيشة، إلا أن التطبيق يختلف بين المدن، مما يزيد من إرباك المستثمرين الذين يجدون أنفسهم ضحايا لعدم وضوح النصوص القانونية.
معركة البقاء بين الحملات الأمنية والمصالح الاقتصادية
في الوثيقة الموجهة إلى الوالي، شدد أرباب المقاهي على أن نشاط الشيشة يوفر فرص عمل لأكثر من 5000 شخص في مراكش وحدها، ويساهم في تعزيز مداخيل المدينة الجبائية. كما أشاروا إلى أن الحملات الأمنية، رغم أهميتها في فرض النظام، تُظهر فقط الجانب السلبي لهذا النشاط، متجاهلة دوره في إنعاش الحركة الاقتصادية.
اقتراحات بديلة
أرباب المقاهي لا يرفضون التعاون مع السلطات، بل يدعون إلى تنظيم النشاط بدل حظره. اقترحوا اعتماد شروط صارمة للصحة والسلامة، مثل تخصيص أماكن مغلقة ومهوّاة لتقديم الشيشة، ووضع لوائح واضحة تمنع تقديمها للقاصرين، بما يضمن احترام القوانين وحماية الزبائن.
السخرية من الفراغ التشريعي
وإن كانت هذه الحملات تهدف إلى فرض النظام، فإنها تبدو وكأنها رقصة على إيقاع قوانين غامضة. كيف يمكن لحكومة تتغنى بدعمها للاستثمار والسياحة أن تقف مكتوفة الأيدي أمام قطاع اقتصادي حيوي، بينما تترك آلاف الأسر بلا مصدر دخل؟ أليس من الأفضل وضع تشريع واضح ومتكامل بدلاً من لعبة “القط والفأر” بين أرباب المقاهي والسلطات؟
كلمة أخيرة
قد تكون الشيشة مجرد أنبوب دخان، لكنها تحمل في طياتها قضايا أعمق تتعلق بالتوازن بين المصالح الاقتصادية والقوانين التنظيمية. فهل ستُبادر السلطات إلى وضع إطار قانوني واضح لهذا النشاط، أم أن مراكش ستظل ساحة لصراع مفتوح بين الاقتصاد والقانون؟