مجتمع

المغاربة: شعب يضحك حتى في أوقات الجد

دابا ماروك

إذا كان هناك شيء لا يمكن أن ينكره أحد عن المغاربة، فهو قدرتهم الفائقة على المزاح والضحك حتى في أشد اللحظات جدية! فالمغاربة يعتبرون أنفسهم خبراء في فن “الضحك على الوضع القاسي”، سواء كان ذلك في المواقف الاجتماعية أو حتى في السياسة، ومهما كانت الظروف. إذا كنت في المغرب، فاستعد لضحك مستمر، لكن بأقصى درجات الجدية

الضحك في أشد فترات الألم وغلاء الأسعار           

في خضم الأزمات الاقتصادية والضغوط الاجتماعية التي يعاني منها الكثيرون في مجتمعنا، يصبح الضحك بمثابة طوق النجاة الذي يشد الإنسان إلى الحياة. فعندما تزداد الأسعار وتصبح مصاريف الحياة عبئًا لا يُطاق، يظل المغاربة، رغم كل شيء، يتمسكون بابتسامة تظهر على وجوههم حتى في أحلك الظروف. الضحك في هذا السياق لا يعني السخرية من الواقع بقدر ما هو محاولة للتمرد على مصاعب الحياة، ورسالة من الشعب إلى الظروف القاسية: “نعم، نحن نعاني، لكننا لن نسمح للألم أن يسلبنا فرحتنا.”

المغاربة يعرفون جيدًا أن الحياة قد تكون قاسية، ولكن الضحك هو السلاح الذي يمنحهم القوة للاستمرار. حتى في الأوقات التي تصبح فيها الأسعار غير منطقية، ويتحول السوق إلى مسرح لمزاح لاذع بين البائعين والمشترين، يظل الضحك هو اللغة المشتركة التي تنقلب على جميع التحديات، لأنهم يدركون أن هذا هو السبيل لمواجهة الواقع بكل شجاعة ومرونة. الضحك في هذه اللحظات يصبح رمزًا للمقاومة، حيث يعلنون من خلاله أن القلوب قادرة على البقاء مبتسمة رغم كل شيء.

آش كاين فالمغرب؟

المغاربة يملكون أذواقًا خاصة عندما يتعلق الأمر بالحديث عن حياتهم اليومية. عندما تجلس مع أحدهم في المقاهي أو الشوارع، يكون الحديث غالبًا مليئًا بالتعليقات الساخرة التي تجعلك تتساءل: هل هم جادون أم فقط يضحكون على الواقع؟ إذا كان أحدهم يتحدث عن ضغوطات الحياة أو مشاكله، فالأمر غالبًا سيختتم بابتسامة عريضة وكأنهم فازوا بجائزة نوبل! “آش كاين؟” هي الإجابة المعتادة على أسئلة عن الوضع في البلاد، لكن خلف هذه الكلمة يكمن بحر من السخرية والضحك المُر.

الحكومة والوزراء: الضحك على المواقف الجدية

يعد الفلكلور السياسي في المغرب واحدًا من أكثر المواضيع التي يتناولها الناس بالضحك. السياسيون المغاربة يمتلكون حسا فكاهيا خاصا جدًا، لكنهم يعتقدون أنهم يمارسون جديتهم! كلما طُرِح موضوع الحكومة أو التعديلات الوزارية، سترى الجميع يضحك حتى تدمع أعينهم، في حين أن البعض يتساءل: “هل كان الوزير الجديد جادًا في مؤتمره الصحفي، أم كان يحاول أن يُضحكنا؟” حتى في بعض الأحيان، يمكن أن ترى أشخاصًا يناقشون الميزانية العامة وكأنهم يقرأون قصة خيالية!

الطاكسي… والرسم الساخر لواقع المغاربة

لا شيء يُمثل واقع المغاربة أكثر من جولات “الطاكسي” في شوارع الدار البيضاء أو الرباط. السائقون هنا يظنون أن الطاكسي هو مكان مناسب جدًا للمناقشات الفكرية والاقتصادية! فإذا كان السائق متفائلًا، فإنه سيقول لك، “خليها على الله، راه كل شيء زوين!” وإذا كان متشائمًا، فإنه يضيف بعد كل كلمة: “ولكن الخلاصة: الحياة خيبة.” جميع الركاب يستمعون إليه وكأنهم في ندوة سياسية، لكن لا أحد يمكنه مقاومة الضحك على تلك التحليلات اللامحدودة.

الأعياد والمناسبات: الضحك بكل قوة

في المناسبات الدينية أو الأعياد، يعشق المغاربة الاحتفال بطريقة تجعل الجميع يضحك، حتى في الأوقات التي يجب أن تكون فيها الأجواء جادة. فلا يمر عيد الأضحى إلا وتجد المغاربة يضحكون على الطرق التي يتم بها التقاط الصور بجانب الخرفان، وهم يتنافسون على “أفضل لقطة”، رغم أن الجميع يعرف أن الضحك لا يأتي إلا بسبب الحركات المبالغ فيها.

التسوق والسوق الأسبوعي: مغامرة ساخرة

الأسواق الأسبوعية المغربية مكان رائع للاسترخاء والمزاح، حتى وإن كانت السلع تُعرض بأسعار مضاعفة. تجد الزبائن والبائعين في حالة من المزاح المتبادل، حيث يعرض البائع سعرًا مغريًا ثم يطلق ضحكة ساخرة، بينما يقوم الزبون بمفاوضة السعر وكأنما هو في مسابقة للمزاح!

الطبخ المغربي: ساخن لكنه مضحك

وإذا أردنا التحدث عن الطعام، فلا يمكن أن ننسى لحظات الضحك التي تأتي مع الطهي المغربي. الطبخ في المغرب يشمل دائمًا العديد من المكونات التي تكون أحيانًا أكثر تعقيدًا من إجراء عملية حسابية! لكن، في النهاية، لا يهم؛ المهم هو النكتة التي تُقال حول الأكل في كل مرحلة من مراحل الطهي، مثل “راه الكسكس ما غاديش ينجح إلا إذا ضحكتي عليه!”، وهي بالطبع نكتة تعبيرية عن حُب المغاربة للضحك في أصعب اللحظات.

وبينما نحن نضحك، آخرون ضحكوا من الظروف وجمعوا ثروات تضاهي ثروة قارون

في الوقت الذي يجد فيه الكثيرون في الضحك مخرجًا من الأزمات التي تعصف بحياتهم اليومية، هناك من اختاروا أن يضحكوا من الظروف بطريقة أخرى. فبينما نرى الفقراء يبتسمون في وجه المعاناة، ويجعلون من الضحك وسيلة للتحمل، يبتسم آخرون بطريقة أكثر دهاءً، مستفيدين من تلك الظروف الاقتصادية الصعبة التي تثقل كاهل الناس. هؤلاء لا يضحكون من القلب، بل من اللامبالاة، بينما يتزايد رصيدهم في حساباتهم المصرفية، وكأنهم ينحتون الثروات في ظل الأزمات.

مع ارتفاع الأسعار وضغط الحياة، يقوم البعض بتحويل المأساة إلى فرصة، مستفيدين من ضعف التشريعات أو التلاعب بالأنظمة، ليجمعوا ثروات ضخمة تفوق خيال الكثيرين. لا يتورعون عن الاستفادة من الوضع الراهن في الأسواق أو المشاريع المربحة على حساب الآخرين. هكذا يتقاسمون الضحك، ولكن على حساب المساكين، وكأنهم ورثة قارون في هذا العصر، يكدسون الأموال بينما يضطر الباقون للتكيف مع غلاء الأسعار، مستمرين في الابتسام رغم الألم.

الخاتمة:                          

المغاربة ببساطة شعب لا يُهزم في الضحك، حتى في أكثر اللحظات جدية. ربما يكمن سر هذا في قدرتهم على التكيف مع كل الظروف والمواقف بنكهة الفكاهة. فحين يكون العالم مشحونًا بالقلق، تجد المغاربة في كل زاوية يبتسمون ويضحكون، وكأنهم يقولون: “الحياة قصيرة، لماذا لا نضحك عليها؟”

فهنيئًا للمغرب، حيث لا تقتصر الحياة على الجد، بل على الضحك الذي يصنع الفارق!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى