مجتمع

الكلاب الضالة تلاحق الجماعات الترابية: محاكمات وتعويضات جديدة 

دابا ماروك

يبدو أن المحاكم الإدارية في المملكة قد قررت أن تضيف نوعًا جديدًا من التعويضات إلى قائمة الحقوق التي يمكن المطالبة بها: “تعويضات للضرر الناتج عن الكلاب الضالة”. نعم، قد تكون هذه النقطة هي أكثر ما يعكس روح العصر وتطور العدالة، إذ يبدو أن الكلاب الضالة قد تحولت إلى خصوم قانونيين لا يُستهان بهم.

في فاس، المدينة التي لا تزال تحتفظ بسحرها المعماري وعراقتها الثقافية، نجد أن المحكمة الإدارية قد أصدرت حكمًا بتغريم المجلس الجماعي 25 ألف درهم فقط، إثر تعرض طفل لعضة كلب ضال وسط المدينة. نعم، وسط المدينة! حيث يظن البعض أن المسألة الوحيدة التي يمكن أن تهدد الأطفال هي سيارات الأجرة أو مقاهي الإنترنت. لكن ها هي الكلاب الضالة تجسد تهديدًا جديدًا، وكأنها جزء من مشهد درامي في سلسلة طويلة من الأحكام القضائية التي تنبئ بتغييرات جذرية في “الشرطة الإدارية”.

فقد حدد التقرير الطبي مدة عجز الطفل بـ40 يومًا، وأكد أن العجز الدائم لا يقل عن 7%، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى قوة العضات التي يلقاها المواطن في شوارعنا. لكن الأهم من ذلك هو إشارة المحكمة إلى أن مسؤولية الجماعة تبقى قائمة، استنادًا إلى المادة 100 من القانون التنظيمي 113.14، والتي تمنح رئيس الجماعة صلاحيات “الشرطة الإدارية”. هنا يتضح أن الجماعات الترابية قد تكون في سباق مع الزمن، متسابقين في “إدارة الكلاب” بدلًا من “إدارة شؤون المواطنين”، وكأن الحلول الوحيدة للمشاكل الاجتماعية في بعض الأحيان تأتي في شكل “قرارات تنظيمية”.

المحكمة ذاتها لم تكتفِ بتوضيح أن الجماعة مسؤولة، بل ذكرت أن رئيس المجلس الجماعي ملزم باتخاذ التدابير الضرورية “لتفادي شرود البهائم المؤذية”، بما في ذلك جمع الكلاب الضالة. بالطبع، يبرز السؤال الأكبر: هل كان رئيس الجماعة يعتقد أن “البهائم” تفضل التنزه في الشوارع دون أن تؤذي أحدًا؟ يبدو أن الحكاية لم تكتمل، إذ كانت الكلاب الضالة تسرح وتمرح في الشوارع دون أن تجد أي تدخل من قبل السلطات المحلية. فهل كانت هناك غفلة، أم أن الأمور كانت بالفعل في طيّ النسيان حتى وقع الحادث؟

ويبدو أن الحكاية ليست مقتصرة على فاس فقط، فالمحكمة الإدارية في الدار البيضاء دخلت على الخط، حيث تم الحكم بتغريم المجلس الجماعي بمبلغ يقارب 5 ملايين سنتيم، إثر تعرض سيدة لهجوم من مجموعة من الكلاب الضالة في منطقة ليساسفة. وهذا يجعلنا نتساءل: هل ستظهر محاكمات جديدة بعنوان “الكلاب الضالة ضد الجماعات الترابية” في المدن الأخرى؟ وهل سنرى قريبًا ظهور ‘محامي الكلاب’؟

لسنا ندري كيف سيترافع محامو الجماعات في هذه القضايا، لكننا على يقين أن دفاعهم لن يتضمن ادعاء أن المواطنين هم من بدأوا الهجوم على الكلاب. فحتى في عالم القضاء، لا يمكن للإنسان أن يصبح المعتدي في مثل هذه السيناريوهات! يبدو أن المحامين سيكونون في موقف محرج، حيث يجدون أنفسهم مطالبين بتبرير غياب الحلول الواقعية لمعالجة مشكلة الكلاب الضالة التي أصبحت تؤرق المواطنين وتثير الجدل في المحاكم.

ما نحتاجه الآن هو أن نجد حلولًا عملية تتجاوز مجرد تعويضات مالية وتحقق فعلاً سلامة المواطنين. فهل سنشهد قريبًا حملات للتوعية بضرورة “تدريب” هذه الكلاب الضالة على عدم الهجوم، أو حملات لجمع هذه الكلاب بأسلوب أكثر فاعلية؟ يبدو أن كرة المسؤولية قد تتدحرج الآن بشكل رسمي، وأصبح لدينا تحدٍ جديد لمواجهة “الكلاب الضالة” على مستوى القانون والإدارة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى