مجتمع

2024: السنة التي نودعها بدون دموع

دابا ماروك

ومع دقات الساعة التي أعلنت عن حلول منتصف الليل، انقلبت صفحة جديدة في تقويم الزمن، وكأننا نغلق كتابًا مليئًا بالأحداث المثيرة واللحظات الثقيلة. عام 2024، ذاك الضيف الذي أتى بلا دعوة واستأثر بالكثير من الحديث، يرحل الآن، تاركًا وراءه ذكريات بعضها يُضحك وبعضها يُبكي، وكأنه أراد أن يترك بصمته في دفتر حياتنا.

أما نحن، ففي مواجهة عام جديد، نتبادل الأمنيات، ونمنّي النفس بأن يكون 2025 عامًا أقل غرابة وأكثر رحمة. عام نأمل أن تُعيد فيه عجلة الحياة دورانها بهدوء، دون تلك التقلبات التي تجعلنا نتساءل إن كان العالم بأسره قد دخل في مسابقة لأغرب السيناريوهات.

فهل سنرى في هذا العام الجديد أحلامًا تتحقق، أم أنه سيحذو حذو سابقه، يضيف القليل من “الدراما” إلى حياتنا؟

الاقتصاد: من السيء إلى الأسوأ

بدأت السنة على وقع وعود الحكومة بالانتعاش الاقتصادي، وانتهت بتبريرها أن الأزمة العالمية، والمناخ، وربما حتى كوكب عطارد، هم السبب في الوضع الراهن. أسعار الثوم وصلت إلى مستوى جعلها مادةً للنقاش في مجلس النواب، وأصبحت الزيت والسكر حلمًا لدى الطبقة المتوسطة، بينما اختفت “الطبقة الفقيرة” من التصنيفات، لأن الفقر ذاته قرر الهجرة.

2024: سنة الوعود المكسورة والمقاعد الشاغرة في السجون

جاءت سنة 2024 بمثابة انعكاس صادم للواقع السياسي في المغرب، حيث تحولت مقاعد البرلمان إلى أماكن شاغرة تسيطر عليها أصداء السجن. في ظل تلك الأجواء، أصبح مركب عكاشة في الدار البيضاء وكأنه “الغرفة الثالثة” للبرلمانيين الذين وجدوا أنفسهم وراء القضبان، بعد أن كانت مناصبهم الرسمية تمنحهم حرية الحركة على حساب أمال الشعب. ما كان ينبغي أن يكون مكانًا للتشريع أصبح محجوزًا للمُدانين، ممن قرروا أن يتقاسموا مع السجناء “الراحة” في ظل ظروف غير مسبوقة.

وفي الوقت الذي كانت فيه أضواء الكاميرات مسلّطة على بعض القضايا المثيرة، تواصلت عمليات توقيف عدد من رؤساء الجماعات الترابية، ليزداد المشهد السياسي تعقيدًا، في ظل الشكوك التي تحوم حول آليات الحكم المحلي. هذه التطورات لا تقتصر على كونها مجرد أحداث سياسية، بل إنها كانت بمثابة صدمة نفسية للعديد من المواطنين الذين ما زالوا يتطلعون إلى تحقيق الديمقراطية الحقيقية، ويعتمدون على ممثليهم في البرلمان والجماعات الترابية لتحقيق تطلعاتهم.

وبينما يزداد الوضع سوءًا، أصبح من الواضح أن الأرقام مرشحة للارتفاع. فكلما اقتربنا من نهايات 2024، ازداد المواطنون شكوكًا في جدوى الديمقراطية وفاعليتها. فكيف يمكن للطبقة السياسية أن تحافظ على مصداقيتها، في وقت أصبح فيه السياسيون الذين يُفترض بهم تقديم الحلول جزءًا من الفوضى؟!

هذه الأمور قد لا تكون مجرد أرقام أو تفاصيل سياسية، بل هي مؤشرات على تآكل الثقة في المؤسسات. أضحت الديمقراطية بالنسبة للعديد من المواطنين مجرد حلم بعيد، في ظل ما يرونه من غياب الشفافية والعدالة، وانحدار القيم التي كان يُفترض أن تكون مبادئ أساسية في المشهد السياسي. ومع استمرار هذه الأحداث، تبقى الأسئلة معلقة: هل سيستمر هذا الوضع في عام 2025؟ وكيف سيؤثر على نفوس أولئك الذين كانوا يومًا ما مفتونين بفكرة الديمقراطية.

الرياضة: بين إنجازات الماضي وخيبات الحاضر

بعد النجاحات الاستثنائية التي حققها المنتخب المغربي في مونديال قطر 2022، والتي كانت بمثابة الحلم الذي تحقق، جاءت سنة 2024 لتضعنا أمام واقع مغاير. ورغم أن “أسود الأطلس” أنهوا العام كأفضل منتخب إفريقي في تصنيف “الفيفا”، إلا أن تراجعهم عالميًا بمركزين ليحتلوا المرتبة 14 قد يظل بمثابة جرس إنذار. لم يعد الفريق نفسه الذي أبهر العالم بأدائه التاريخي في المونديال، إذ غابت عنهم اللمسة المميزة التي كانت السبب وراء ذلك الإنجاز.

ورغم بعض اللحظات الفردية التي حاول فيها لاعبو المنتخب إثبات أنفسهم، إلا أن الأداء الجماعي ظل يعكس ضبابية في الرؤية والأداء. أما بقية الرياضات المغربية، فقد ظلت كما كانت: غائبة عن منصات التتويج، لكن حاضرة في التقارير، تغطي أرقامها المفقودة الصفحات الرياضية.

يبدو أن التوقعات الكبيرة التي أُحيطت بالمنتخب بعد إنجازاته الأخيرة قد تركت عبئًا ثقيلاً، وهو ما جعل 2024 عامًا يختلف عن سابقيه في مسار الرياضة الوطنية، التي تبحث عن بريق جديد بعيدًا عن الانكسارات والخيبات.

المجتمع: من طلبة التغيير إلى باعة التغيير

الشباب، عماد المستقبل، أصبحوا عماد طوابير السفارات، بينما قرر آخرون أن يبدعوا في “أشكال جديدة من العمل” مثل بيع البيض المسلوق على الطرقات أو حراسة السيارات. وبالرغم من ذلك، كانت هناك بارقة أمل في مبادرات صغيرة تنبض بالحياة وتثبت أن المواطن المغربي قادر على تحويل المستحيل إلى ممكن.

نظرة نحو 2025

بصراحة، لا يمكننا إلا أن نتفاءل، ليس لأن الأمور تبدو واعدة، ولكن لأننا اعتدنا على هذا التمرين الجماعي من التفاؤل القسري مع نهاية كل سنة. ربما تكون 2025 هي السنة التي سنتذكرها باعتبارها “سنة الانطلاقة”، أو على الأقل، السنة التي سنلقي فيها اللوم على 2024.

وداعًا 2024، لن نفتقدك، ولن نخصص لك سوى سطر في كتب التاريخ: “سنة مرت وانتهت، لا أكثر”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى