مجتمع

التراجيديا المغربية: رجال التعليم والمتقاعدون بين سندان الوعود ومطرقة الواقع

دابا ماروك

رجال التعليم بالمغرب، هذه الفئة التي تبدو وكأنها اختيرت بعناية لتكون موضوعًا دائمًا للسخرية الاجتماعية والتجاهل الحكومي. فبعد سنوات من العطاء المهني، تجد نفسها عالقة بين سياسات حكومية تُبنى على شعارات جوفاء واتفاقيات تُعلن في المنابر على أنها “تاريخية”، بينما واقع الحال يُظهر عكس ذلك تمامًا.

محضر الاتفاق: تاريخي في اسمه، عادي في نتائجه

تخيل معنا هذا المشهد الكوميدي: الحكومة والنقابات يجتمعون، يتبادلون الابتسامات أمام الكاميرات، ثم يوقعون محضرًا يحمل عنوانًا يبدو أنه اقتبس من صفحات التاريخ الكبرى: “اتفاق تاريخي”. ولكن ما أن نبتعد عن أضواء الكاميرات، حتى يتبين أن هذا الاتفاق لا يحمل من “التاريخية” إلا الاسم.

نعم، تم الاتفاق على زيادة 1500 درهم في الأجور، لكنها زيادة تأتي وكأنها صدقة تُلقى على رجال ونساء التعليم بعد سنوات من الشقاء، لتبقى هذه الفئة غارقة في ديون الكراء أو قروض الأبناك، وفواتير الماء والكهرباء، وتكاليف تعليم الأبناء الذين – بالمناسبة – قد يدرسون في نظام تعليمي خاص، هربًا من نظام عام هم أنفسهم يساهمون في تشغيله!

التعليم المغربي: فصول من التهميش

رغم كل الوعود والإصلاحات، لا يزال الأستاذ المغربي يعاني من أوضاع مزرية، خصوصًا في المناطق النائية، حيث يصبح التدريس أشبه بمغامرة، ليس فقط بسبب الظروف الطبيعية الصعبة، بل أيضًا بسبب غياب أدنى شروط الكرامة المهنية. لا نقل ولا سكن لائق، ولا تعويضات تُذكر. بل إن بعض المعلمين يعيشون في عزلة اجتماعية أشبه بمنفى غير معلن.

ومع ذلك، يُطلب منهم أن يكونوا قدوة! كيف لمعلم منهك نفسيًا وماديًا أن ينقل رسالة تربوية سامية؟!

المتقاعدون: نهاية مأساوية لحكاية التعليم

أما عندما يصل الأستاذ المغربي إلى سن التقاعد، فإن الكوميديا تتحول إلى مأساة. المتقاعد هنا أشبه بمصارع قديم يُلقى به خارج الحلبة بعد انتهاء العرض. معاش زهيد بالكاد يغطي نفقات الحياة الأساسية، وغياب تام لبرامج الدعم النفسي والاجتماعي.

حتى من يحاولون البحث عن عمل إضافي لتغطية احتياجاتهم، يجدون أنفسهم عرضة للانتقادات الاجتماعية. فقد أصبح من المعتاد أن نسمع تعليقات مثل: “أليس من المفترض أن تستريح بعد التقاعد؟”. نعم، لكن كيف يستريح من بالكاد يستطيع دفع فاتورة العلاج؟

بين السخرية والمرارة: واقع يستحق التعليق

الوضع التعليمي في المغرب يشبه فيلمًا كوميديًا رديئًا: البطل دائمًا مظلوم، والشرير (السياسات الحكومية) دائم الانتصار. أما الجمهور (الشعب)، فهو إما متفرج صامت، أو ناقد لا يملك إلا السخرية.

لنكن واقعيين، 1500 درهم ليست إلا “فتاتًا” مقارنة بما يحتاجه قطاع التعليم من إصلاح شامل. وزيادة الأجور ليست حلاً سحريًا لمشاكل تتجاوز ذلك بكثير. ماذا عن المناهج؟ ماذا عن التكوين المستمر؟ ماذا عن الدعم النفسي والاجتماعي؟

كلمة أخيرة

إذا كان التعليم هو العمود الفقري لأي مجتمع، فإن وضعية رجال التعليم في المغرب تشير إلى أن هذا العمود يعاني من انحناءات حادة، وربما كسور غير مرئية. وبينما تُطلق الشعارات الرنانة في المناسبات الرسمية، يظل الأستاذ المغربي والمتقاعد مجرد رقم في خطابات منمقة، لا أكثر ولا أقل.

وفي النهاية، يبدو أن أفضل نصيحة يمكن تقديمها لرجل التعليم المغربي هي: “كن مستعدًا للأسوأ دائمًا، فقد أصبح ذلك هو القاعدة وليس الاستثناء”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى