الإحسان في المغرب: بين مساجد الرفاه ومستشفيات المعاناة
دابا ماروك
حين نتحدث عن الإحسان في المغرب، نقف أمام لوحة مزدوجة الألوان؛ واحدة ترسم بريق المساجد الفخمة، وأخرى تلقي بظلالها في أروقة المستشفيات المكتظة بالأنين.
المساجد: رفاهية الإحسان أم سباق الوجاهة؟
لا يختلف اثنان أن بناء المساجد يعتبر من أبرز مظاهر الإحسان في المغرب، حيث امتلأت مدن المملكة وقراها ببيوت الله. لكن الأمر لا يتوقف عند البناء فقط، بل يتعداه إلى تصنيف هذه المساجد وفق معايير “فخامة الإيمان”. فنجد مساجد فئة “خمس نجوم”، المزينة بالرخام المستورد والثريات الفاخرة، والتي أصبحت ملاذًا لكبار القوم وأشباههم، وحتى للبعض ممن يبحثون عن “شبكات علاقات” أكثر من بحثهم عن الطمأنينة الروحية.
الطريف أن هذه المساجد غالبًا ما تتوسط أحياء راقية، وتعكس صورة من قام بتمويلها. فـ”المحسنون” درجات، فمنهم من يبذل ماله خالصًا لوجه الله، ومنهم من يحاول كسب رضى السماء مع خصم التكلفة من ضرائب الأرض. وهناك آخرون قد تطرح تساؤلات عميقة حول مصدر أموالهم، وتُترك الإجابة على هذا السؤال للسماء.
الإحسان في المستشفيات: تضامن بلا أضواء
في الجانب الآخر من المشهد، حيث لا كاميرات توثق ولا أسماء تخلد على الجدران، نجد محسنين من نوع آخر، أبطالًا مجهولين يفضلون المستشفيات على المساجد الفاخرة. هؤلاء يقصدون أماكن تعج بالألم والاحتياج، مثل مستشفى 20 غشت بالدار البيضاء، حيث يزورون أقسام الأمراض المزمنة والحروق، حاملين معهم ما يستطيعون من المساعدات المادية.
ولكن حتى هنا، لا يسلم العمل الإحساني من العقبات. ففي بعض الأحيان، يتدخل بعض حراس الأمن بشكل يعكس قلة إنسانية، متطلعين إلى اقتطاع نصيب من المساعدات الموجهة للمرضى. هذه التصرفات تضع علامة استفهام حول قيم التضامن المجتمعي وكيف يمكن تعزيزها بعيدًا عن المصالح الشخصية.
ما بين الجدران والمشاعر
رغم تفاوت مظاهر الإحسان، يبقى السؤال: هل الإحسان مقصور على بناء الجدران، أم أنه يعني أيضًا بناء جسور من الأمل بين الأفراد؟
المساجد، بكل روعتها، أمكنة مقدسة لعبادة الله، لكنها قد لا تكون أكثر أهمية من مد يد العون لطفل مريض أو أم تعاني. الإحسان الحقيقي يتجاوز الشكل والمظهر ليصل إلى لب المعاناة الإنسانية.
ربما آن الأوان لإعادة التفكير في مفهوم الإحسان، بحيث لا يقتصر على بناء ما يُرى بالعين، بل يشمل أيضًا ما يُحس بالقلب. فلربما، في نهاية المطاف، كان المحسن الحقيقي هو من يزرع الأمل في نفوس المنسيين، بعيدًا عن الأضواء وبعيدًا عن التصنيفات.