مجتمع

على لسان الوزيرة: إصلاح التقاعد… الثورة المؤجلة منذ الأزل!

دابا ماروك

من منصة البرلمان، حيث تعودت الكلمات الكبيرة أن تصطدم بالوعود الصغيرة، أطلقت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، تصريحها “الثوري” حول إصلاح أنظمة التقاعد، مؤكدة أن شهر يناير 2025 سيشهد تقديم “عرض أولي” لهذا الورش الكبير. نعم، “عرض أولي”، كأنما الحديث يدور عن إعلان تجاري لا عن قضية تمس حاضر ومستقبل ملايين المغاربة!

ثلاثة أشهر من التأخير، وخمسون عامًا من الانتظار!

الوزيرة وبكل ثقة، اعترفت بأن الإصلاح تأخر “ثلاثة أشهر”. ثلاث أشهر فقط؟ يا للكرم في اختصار الزمن! لكن لا بأس، فحسب الوزيرة، ملف التقاعد قد “طال أمده لسنوات”، وكأن هذه السنوات مجرد تفصيل صغير في لوحة “التاريخ العظيم للإصلاحات المؤجلة”.

لنكن واضحين: ثلاث أشهر في تقويم الحكومة هي بلا شك تعادل عقودًا من الانتظار في تقويم المواطن العادي، ذلك الذي ينتظر بفارغ الصبر أن يحظى بتقاعد كريم قبل أن يصبح ذكرى في أرشيف الحياة.

الحوار الاجتماعي: صكوك الغفران الحكومية

في محاولة لإضافة بعض البهارات السياسية، قالت الوزيرة إن الحوار الاجتماعي و”زيادة الأجور” كسبا لنا “سنتين أو ثلاث سنوات” في ملف التقاعد. يا للبراعة! الحوار الذي يُفترض أنه وسيلة لتجاوز الأزمات أصبح بمثابة قارب نجاة لتأجيلها، وزيادة الأجور التي بالكاد تكفي لتغطية تضخم الأسعار تحولت إلى إنجاز خارق يستحق التأريخ.

كنوبس وأسطورة الـ54 يومًا                           

أما فيما يخص آجال استرجاع المصاريف العلاجية من “كنوبس”، فأعلنت الوزيرة عن إنجاز مذهل: تقليص المدة من 57 يومًا إلى 54 يومًا. ثلاث أيام فرق؟ هذا أشبه بالاحتفال بتقليص زمن طهي الكسكس من ساعتين إلى ساعة و57 دقيقة!

لكن لا تقلقوا، فالحكومة “ملتزمة” بالتحسين، و”التحسين” هنا كلمة مطاطة قد تعني أي شيء، من خفض يومين إضافيين إلى توفير أعذار أكثر إبداعًا عند التأخير.

المؤسسات العمومية: الأرقام الذهبية والحقيقة المرة

وفي فقرة أخرى من الكوميديا الحكومية، تطرقت الوزيرة إلى إصلاح قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية، مشيرة بفخر إلى أن المحفظة العمومية تضم 271 مؤسسة ومقاولة، مع رقم معاملات يقدر بـ345 مليار درهم في 2024.

لكن الأرقام، كما نعلم جميعًا، هي مجرد ألعاب بهلوانية عندما يتعلق الأمر بحياة الناس. فأين يذهب هذا الرقم الملياري عندما يتعلق الأمر بتحسين خدمات المواطنين؟

التقاعد: الحكاية التي لا تنتهي

بين “مشاريع القوانين” و”النصوص التكميلية”، وبين “الهيئة المركزية لتصفية المؤسسات” و”نظام الخوصصة”، يبدو أن الحكومة قد أتقنت فن الالتفاف حول القضايا الحقيقية. التقاعد؟ مجرد عنوان مثير لملء نشرات الأخبار، بينما الإصلاح الحقيقي يظل مؤجلًا إلى أجل غير مسمى.

الخلاصة: عرض أولي… ومسرحية بلا نهاية

إذا كانت الحكومة جادة في إصلاح التقاعد، فلماذا يبدو كل شيء وكأنه بروفة لمسرحية عبثية؟ لماذا ينتظر المواطنون “العرض الأولي” كما لو كان فيلمًا سينمائيًا سيُعرض في صالات مغلقة؟

إلى أن يتحقق الإصلاح الحقيقي، سيظل ملف التقاعد مجرد فزاعة تُلوّح بها الحكومة حينًا، وتُهملها أحيانًا، تاركة المواطنين يتساءلون: هل نحن في انتظار إصلاح حقيقي أم مجرد مشهد آخر من كوميديا الإصلاحات الوهمية؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى