مجتمع

قانون الإضراب الجديد: حرية… بشرط أن لا تمارسها!

دابا ماروك

في مسرح السياسة المغربية، أطلّ علينا مشروع القانون التنظيمي للإضراب المعدّل، الذي وصفته المركزيات النقابية بأنه نسخة أكثر تهذيبًا – وربما أكثر سخرية – من مشروع 2016. وكأن الحكومة تقول للعمال: “الإضراب حق مشروع، لكن فقط إذا كان يعجبنا، وشرط أن يكون تحت إشرافنا، وبموافقتنا المسبقة!”

المادة الأولى: الديباجة التي أغلقت الباب

تبدأ المسرحية بمشهد المادة الأولى، تلك الديباجة التي تُعرّف الإضراب بأنه “توقف إرادي جماعي”. وهنا السؤال الذي يقفز إلى الذهن: ماذا عن الإضراب الفردي؟ الجواب بسيط: لا مكان له في هذا النص، لأنه ببساطة لا يُعتبر إضرابًا بل عطلة غير مدفوعة الأجر. أما إذا كنت عاملًا منزليًا، فقد أصبح حقك في الإضراب مشروطًا بعثورك على طاقم تنظيف يشاركك الاحتجاج. باختصار: “احتج وحدك وسنعتبرك مجرد متذمر؛ احتج مع فريق وسنعتبرك مخرّبًا!”

الإضراب السياسي: ممنوعٌ من النقاش

وفقًا للنص، الإضراب السياسي محظور، وكأن العمال لا يعيشون في بلد السياسة فيه تُشكّل الواقع الاقتصادي والاجتماعي. يعني إذا ارتفع سعر الخبز، أو زاد الضغط الاقتصادي، فلا يُسمح لك بالتوقف عن العمل احتجاجًا، لأن ذلك يُعتبر تدخلًا في “شؤون عليا”. وكأننا نعيش في عالم موازٍ حيث العمال مجرد تروس في آلة، لا رأي لهم في قرارات تُحدد حياتهم!

الإضراب المنزلي: “اجمعوا فريقكم أولًا!”

أما العمال والعاملات المنزليون، فقد حظوا باهتمام خاص في هذا المشروع. تقول النقابات إن العاملة المنزلية التي يُنتهك حقها، لا تستطيع الإضراب بمفردها. تحتاج إلى تشكيل فرقة من “زميلات السلاح”، شرط أن تكون الجماعة متحدة ومتفقة على الاحتجاج. تصوروا المشهد: عاملة منزلية تُريد الإضراب، لكنها بحاجة إلى التنسيق مع عاملات أخريات. ومن أين لها هذا؟ من المطبخ؟ أم من حديقة المنزل؟ هذا النص يبدو وكأنه أُعدّ خصيصًا لجعل الإضراب مستحيلًا بحكم الواقع.

حق مقيد… ومثير للضحك          

المثير للسخرية في الأمر أن الحكومة تتحدث عن “تأطير الحق في الإضراب” وكأنه خطر داهم يستحق تدخلًا أمنيًا قبل أن يتحول إلى “كارثة”. النصوص مليئة بالتناقضات: تُقرّ بأن الإضراب حق، ثم تقيده بشروط تجعل ممارسته أشبه بمحاولة السفر إلى القمر على متن دراجة هوائية.

ما بين القانون والحقيقة: العمال في مواجهة آلة البيروقراطية

بينما يُناقش هذا القانون في القاعات الفاخرة، يعيش العمال واقعًا مختلفًا. الإضراب بالنسبة لهم ليس “ترفًا قانونيًا” بل ضرورة للبقاء. القانون الجديد يريد أن يحول هذه الضرورة إلى “خيار مُنظّم ومقيد”، تمامًا كمن يُحاول إقناعك بأن بإمكانك الغناء، لكن بصوت خافت، وبإذن مسبق، وفي غرفة مغلقة.

الخلاصة: إضراب، ولكن… ليس حقًا!

مشروع القانون المعدّل هو شهادة جديدة على براعة الحكومة في فنون المراوغة التشريعية. يقولون إنهم يعترفون بحق الإضراب، لكنهم يضعون أمامه حواجز قانونية وأخرى عملية، تجعل من ممارسته أشبه بمحاولة فتح باب مسدود بمفتاح غير موجود.

إذا كان الإضراب حقًا كما يدّعون، فلماذا يبدو القانون وكأنه يقول للعمال: “يمكنكم الاحتجاج، ولكن لا تفعلوا ذلك!”؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى