مؤشر “بلافاتنيك” وأزمة الإدارة العمومية: حينما تتنافس البيروقراطية مع السلاحف!
دابا ماروك
حسنًا، أيها السادة، لنتحدث عن الإنجاز “المبهر” الذي حققه المغرب على سلم مؤشر “بلافاتنيك للإدارة العمومية 2024”. المرتبة 73 عالميًا! أجل، يبدو أننا نحافظ على مكانتنا بين الدول التي لم تُغادر يومًا المنطقة الرمادية في الأداء الإداري. ومع ذلك، لنتوقف لحظة ونفكر: هل هذه المرتبة تعكس الأداء فعلاً أم مجرد صدفة سعيدة؟
القيادة والاستراتيجية: تخطيط أم تكتيك النعامة؟
يخبرنا المؤشر أن المغرب احتل المرتبة 78 في مجال القيادة والاستراتيجية. بصراحة، إذا كان هذا هو الأداء، فربما علينا أن نسأل: عن أي استراتيجية يتحدثون؟ هل هي تلك التي تستغرق فيها الملفات الإدارية سنوات من الانتظار في الأدراج؟ أم تلك التي تجعل المواطن يكتشف قوانين جديدة عن طريق “المفاجآت السارة” على شباك الإدارة؟
ربما كان التقييم أكثر إنصافًا لو تحدث عن “استراتيجيات تأخير الحلول”، حيث يبدو أن هذا المجال يُتقن بحرفية تُدرّس في الجامعات الإدارية لدينا.
السياسات العمومية: صراع القرارات المتناقضة
في مجال السياسات العمومية، حققنا المرتبة 71 عالميًا. لا بأس، لكن دعونا نسأل: هل حصلنا على هذه المرتبة بفضل قرارات تتغير مع كل شروق شمس؟ أم بفضل السياسات التي تبدو وكأنها خُطت على عجل في أحد المقاهي؟
السياسة العمومية لدينا تُذكرنا بقصة الطائر الذي يحاول الطيران بجناح واحد. تُصدر قرارًا، فتظهر عشرة مشاكل جديدة تحتاج إلى قرارات أخرى لحلها. وهكذا تستمر الدورة إلى ما لا نهاية!
البيروقراطية و”فن التعقيد”: معركة الموارد البشرية
أما في مجال الموارد البشرية، فقد تبوأنا المرتبة 76 عالميًا. وللتوضيح، هذا لا يعني أن موظفينا غير أكفاء، بل لأنهم يواجهون منظومة تجعل من “حل مشكلة” تجربة أقرب إلى فك شيفرة آلة إنجما.
خذ مثالاً بسيطًا: طلب وثيقة إدارية. إذا نجحت في الحصول عليها في غضون يومين، فأنت محظوظ، لأن العملية عادة ما تحتاج إلى مزيج من الصبر، العلاقات، والصدفة السعيدة.
سنغافورة والنرويج: “عيب عليكم!”
لا يمكننا الحديث عن هذا المؤشر دون أن نتوقف عند المتصدرين: سنغافورة، النرويج، وكندا. هؤلاء يعيشون في عالم موازٍ، حيث تعمل الإدارات كالساعات السويسرية، والموظفون لديهم خريطة واضحة للمهام، والبيروقراطية لا تعني أبدًا “سير حتى تجي!”.
بالطبع، يمكننا أن نعتبر هذه الدول قدوة، لكن مهلاً، من يحتاج إلى القدوة ونحن لدينا تجربة خاصة بنا في إضاعة الوقت والجهد؟
التقرير والرقمنة: أحلام أم وعود؟
يدعو التقرير المغرب إلى استغلال الرقمنة لتبسيط العمليات الإدارية. فكرة عظيمة! ولكن دعونا نتساءل: ما جدوى الرقمنة إذا كان الموظف نفسه يحتاج إلى “تدريب مكثف” لاستخدام الحاسوب؟ أو إذا كانت الأنظمة الرقمية تتحول إلى “خارج الخدمة” في اللحظات الحرجة؟
الشراكات الدولية: من يسمع؟
يشدد المؤشر على ضرورة بناء شراكات دولية للاستفادة من التجارب الناجحة. اقتراح ممتاز. لكن، كما يقول المثل: “هل يشتكي المريض من عدم وجود طبيب أم من عدم الرغبة في العلاج؟”. لدينا الفرصة للتعلم، لكن يبدو أننا نُفضل الاحتفاظ بأسلوبنا التقليدي “المريح” الذي يضمن استمرار الدوام على إيقاع بطيء.
الخلاصة: هل نتفاءل أم نبقى واقعيين؟
في النهاية، يبدو أن المرتبة 73 ليست سوى انعكاس لمعضلة أكبر في إدارة الشأن العام. هل نملك الكفاءات؟ نعم. هل نمتلك الرؤية؟ ربما. لكن ما ينقصنا هو الشجاعة لإجراء تغييرات حقيقية تُخرجنا من نفق البيروقراطية الطويل.
قد يكون المؤشر جرس إنذار أو فرصة لإعادة التفكير. ولكن السؤال الأهم: هل سيستمع أحد لهذا الجرس؟ أم أننا سنواصل التقدم بخطى السلحفاة نحو المستقبل المجهول؟