محمد صابر
تبدو الساحة المغربية اليوم وكأنها مشهد من مسلسل مكسيكي طويل لا ينتهي، حيث لا يمكن للمشاهد أن يميز بين الحبكة والمؤامرة، ولا بين التراجيديا والهزل. فهل التعديلات الأخيرة التي طرأت على مدونة الأسرة هي مجرد فصول جديدة من هذه الملهاة؟ أم أنها أداة لإلهاء الشعب، واستفزاز الرجل المغربي، أو ربما مجرد محاولة لابتكار مسرحية جديدة من تلك التي يبدعها الزمن السياسي في المغرب؟
حين يصبح التغيير عبثًا في سياق مأزوم
في خضم النقاش حول هذه التعديلات، تزداد حدة الانحرافات في مختلف مناحي الحياة. الانحراف الأخلاقي، الاقتصادي، وحتى السياسي يبدو وكأنه بلغ مرحلة لا يمكن معها العودة إلى نقطة الصفر. خيرات البلاد تُنهب بلا هوادة، والفقر ينتشر كالوباء، حتى بات المواطن المغربي يرى حلم العيش الكريم وكأنه وهم بعيد المنال.
الحكومة من جانبها تبدو وكأنها تسابق الزمن لتعيد الطبقة العاملة إلى عهود الإقطاعية، حيث تتحول ساعات العمل إلى طقوس عبودية، بينما تستمر الأصوات التي تطالب بالإصلاح في الغرق وسط زحام الشكوى والتذمر.
التعديلات: سلاح ذو حدين؟
التعديلات الجديدة التي طال انتظارها قدمت على أنها محاولة للارتقاء بحقوق الأسرة وتحقيق العدالة بين الرجل والمرأة. لكن في الواقع، يبدو أن هذه التعديلات قد أشعلت جدلًا أعمق حول ما إذا كان الهدف الحقيقي هو التوازن أم التفكيك.
الرجل المغربي، الذي أصبح مهددًا بفقدان ما تبقى له من حقوق رمزية، يتساءل اليوم: هل هذه التعديلات تمثل إصلاحًا حقيقيًا أم محاولة أخرى لاستفزازه؟ هل المطلوب منه فقط أن يتحول إلى ماكينة إنفاق دون اعتراف بدوره كمكون أساسي في الأسرة والمجتمع؟
الأزمة الاقتصادية: الخيط الذي لا ينفصل عن الفوضى
في ظل كل هذه الزوبعة، يعيش الشعب المغربي أزمة اقتصادية خانقة، لم تترك له مجالًا حتى لالتقاط الأنفاس. الأسعار ترتفع، الأجور تتقلص، والضرائب تكاد تخنق حتى تلك الطبقات التي بالكاد تسد رمقها. في هذا السياق، يصبح الحديث عن تعديلات قانونية ومطالب حقوقية أشبه بمزحة ثقيلة.
كيف يمكن لشعب ينهار تحت وطأة الأزمات أن يجد الوقت والطاقة ليهتم بقضايا تبدو وكأنها قادمة من كوكب آخر؟
هل نحن أمام فصل جديد من العبث؟
الأغرب في كل هذا أن الحكومة تستمر في الحديث عن التنمية والإصلاح، بينما واقع الحال يشير إلى مسار عكسي تمامًا. فهل نحن أمام حالة من الإنكار الجماعي؟ أم أن هناك من يصر على إدارة البلاد وكأنها لوحة شطرنج، حيث يتم تحريك القطع دون رؤية واضحة للنتائج؟
المواطن المغربي، الذي بات يتقن فن التعايش مع الأزمات، يجد نفسه اليوم أمام معضلة أخرى: كيف يمكنه أن يوازن بين مطالب العيش الكريم وصراعات الهوية التي تتجلى في قضايا الأسرة والمجتمع؟
نهاية مفتوحة
المسلسل المكسيكي للتعديلات، كما يبدو، لن ينتهي قريبًا. وربما علينا أن نتقبل حقيقة أننا مجرد متفرجين في عرض طويل ومربك. فهل سنصل يومًا إلى الفصل الأخير؟ أم أن هذا المسلسل مصمم ليبقى مفتوحًا على كل الاحتمالات؟
في النهاية، لا يسعنا إلا أن نراقب وننتظر، على أمل أن تأتي الأيام القادمة بجواب شافٍ لكل هذه التساؤلات… أو ربما بمزيد من الفصول العبثية التي تضيف جرعة جديدة من التعقيد إلى واقعنا المرهق.