دابا ماروك
في الوقت الذي ينفخ فيه المهاجرون المغاربة الهواء في رئة الاقتصاد الوطني بـ12 مليار دولار سنويًا، نجد أنفسنا أمام مفارقة عجيبة: هؤلاء “الأبطال الاقتصاديون” لا يطلبون سوى معاملة حسنة على الحدود وإنهاء ملفاتهم العالقة في المحاكم. يبدو أن مفهوم “شكراً” عند البعض لا يزال غائباً عن القاموس الحكومي.
التحويلات: العمود الفقري للاقتصاد المغربي
إذا كانت هذه الأموال تسهم في رفع الاستهلاك المحلي، وإنشاء مشاريع تنموية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يحصل هؤلاء المهاجرون على ما يستحقونه من الاحترام والخدمات مقابل ما يقدمونه؟ الجواب، للأسف، غالبًا لا.
بينما تسارع دول مثل الهند والمكسيك لخلق بيئات ملائمة لاستقطاب أموال جالياتها، نجد أن المغاربة يتلقون المعاملة بمستوى “قِسْم الانتظار الطويل”، مع إجراءات بيروقراطية لا تنتهي، وكأن تسهيل الحياة للمهاجر المغربي هو رفاهية لا ضرورة.
الحدود المغربية: محطات صبر وإرادة
المهاجرون المغاربة القادمون من أوروبا يمرون غالباً بممرات حدودية تجعلهم يتساءلون: “هل نحن قادمون بوصفنا سياحًا أم نعود لوطننا؟” طوابير طويلة، تفتيش دقيق، وابتسامات شبه منعدمة. يبدو أن شعارات مثل “مرحباً بكم في وطنكم” تحتاج إلى توظيف عملي، لا مجرد لافتات.
المحاكم العالقة: ملفات المهاجرين أم متاهة بيروقراطية؟
إذا كانت هذه التحويلات تعادل أضعاف الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فكيف تُترك ملفات المهاجرين عالقة في دواليب المحاكم؟ قضايا الإرث، والنزاعات العقارية، وأحيانًا حتى استخراج وثائق بسيطة، تتحول إلى مسلسلات درامية لا تنتهي، والضحايا دائمًا هم المغاربة في الخارج وأسرهم في الداخل.
دعوة للتغيير
ربما يجب أن نُذَكِّر الجميع أن هذه الأموال ليست صدقة ولا تبرعًا خيريًا، بل هي عرق جبين مغاربة الشتات الذين يُضحون بالغالي والنفيس. هل من العدل أن نقابل مساهماتهم الجبارة ببطء إداري وأبواب موصدة؟
اقتراح
ربما يجب أن نقترح على المهاجرين استثمار أموالهم في مشروع وطني لتطوير الابتسامات والإجراءات الإدارية، فقد يُسهم ذلك في جعل الحدود أكثر ودًّا، والمحاكم أقل تشويقًا من أفلام الإثارة. وفي انتظار هذا اليوم، سنظل نردد: “مرحبًا بكم في وطنكم… على مهل!”
بطون الحرام: الهروب الكبير بالأموال!
في الوقت الذي يتصبب فيه عرق مغاربة الخارج لتحويل 12 مليار دولار سنويًا إلى الوطن، نجد على الجانب الآخر بطون الحرام الذين يتقنون فن تهريب الأموال إلى الخارج وكأنها لعبة فيديو شيقة. هؤلاء العباقرة في “الهندسة المالية العكسية” لا يكتفون بإخفاء الأموال، بل يسعون أيضًا لجعلها مجهولة المصدر، وكأنها لغز بوليسي عالق في أحد أفلام الإثارة!
المفارقة العجيبة هنا أن الأموال التي يجتهد المهاجرون لجمعها في ظروف قاسية، تتحول في بعض الأحيان إلى دعم مشاريع اقتصادية داخل البلاد، بينما الأموال التي تُهرب في حقائب وأرصدة سرية تجد طريقها إلى عقارات فاخرة في باريس، ويخوت في موناكو، وحسابات بنكية في جزر كايمان!
ختام بطعم المرارة
ربما آن الأوان للتوقف عن مراقبة مغاربة العالم على الحدود، وبدلاً من ذلك، التفرغ لملاحقة “الهاربين الكبار”. ففي النهاية، هؤلاء هم من يعرقل عجلة التنمية الحقيقية، ويحولون اقتصادنا إلى مشهد من مسرح العبث.