اقتصادمجتمع

زيت الزيتون في المغرب: من ذهب الأرض إلى عبء المواطن

دابا ماروك

موضوع ارتفاع أسعار زيت الزيتون في المغرب مقارنة بالأسواق الأوروبية هو جزء من ظاهرة أوسع تتعلق بالسياسات الاقتصادية، الاستراتيجيات التسويقية، وطبيعة السوق المحلية مقابل الدولية. هذا الوضع يثير عدة تساؤلات حول العدالة الاقتصادية، أولويات الحكومات، واستراتيجيات التسعير التي يبدو أنها تفضل المردود السريع على حساب القدرة الشرائية للمواطنين. دعنا نستعرض الجوانب المختلفة لهذه الإشكالية بعمق.

  1. زيت الزيتون: رمز اقتصادي وثقافي

زيت الزيتون في المغرب ليس مجرد منتج غذائي؛ بل هو جزء من التراث الثقافي والزراعي للبلاد. المغرب يحتل مرتبة متقدمة عالميًا في إنتاج الزيتون، مما يجعل من هذا المنتج ركيزة أساسية في الاقتصاد الوطني. المفارقة هنا تكمن في أن المواطنين، الذين يُفترض أنهم المستفيد الأول من وفرة هذا المورد، يجدون أنفسهم عاجزين عن تحمل تكاليفه. عندما يصل سعر اللتر إلى 100 درهم أو أكثر في السوق المحلية، بينما يباع بنصف السعر أو أقل في الدول الاوروبية، مما تتحول معه هذه الثروة الطبيعية إلى عبء على المواطن البسيط.

  1. لماذا هذه الفجوة في الأسعار؟

  • التكاليف والضرائب المحلية:
    غالبًا ما تتحمل المنتجات المحلية عبء الضرائب والرسوم الجمركية المرتفعة، ما يرفع من سعرها في الأسواق المحلية. بينما في الأسواق الأوروبية، تستفيد المنتجات المستوردة من دعم حكومي أو إعفاءات ضريبية تجعلها أكثر تنافسية.
  • أولويات التصدير:
    السياسات الاقتصادية تُظهر بوضوح أن التصدير هو الأولوية، حتى لو كان ذلك يعني حرمان المواطن المحلي من منتجاته. في بلدان مثل المغرب، يُفضل بيع زيت الزيتون عالي الجودة إلى الأسواق الأجنبية بأسعار تنافسية لجذب العملة الصعبة، بينما يُترك المواطن ليشتري بأسعار باهظة.
  • غياب الرقابة على الأسعار:
    ارتفاع الأسعار المحلية يعود في جزء كبير منه إلى الاحتكار وغياب تنظيم السوق. القلة التي تسيطر على إنتاج الزيتون ومعاصر الزيت لا تواجه قيودًا تذكر، مما يجعلها تفرض الأسعار التي تراها مناسبة دون مراعاة القدرة الشرائية العامة.
  1. مقارنة بالفنادق المصنفة: ازدواجية التعامل

مثال ثاني حول أسعار الفنادق المصنفة يعكس ازدواجية اقتصادية واجتماعية شديدة. في هذه الحالة، يُعامل المغاربة كمستهلكين “من الدرجة الثانية”، على الرغم من أنهم جزء من السوق المحلية.
الأمر يبدو وكأن السياسات التسويقية تُصمم لتفضيل الأجانب، استنادًا إلى اعتقاد بأن هؤلاء “أفضل” كمصدر للربح. هذا النموذج ليس فقط غير عادل، بل يعزز شعورًا بالاغتراب لدى المواطن في وطنه.

  1. التحديات الأخلاقية والاقتصادية لهذا التوجه

  • إضعاف الثقة بين المواطن والحكومة:
    عندما يشعر المواطن أن الحكومة أو القطاع الخاص يعاملانه كوسيلة فقط لجلب الموارد، فإن هذا يولد استياءً عميقًا. زيت الزيتون مثال صارخ: المواطن يزرع، يحصد، ثم يشتري منتجه بثمن مبالغ فيه.
  • ضياع فرص التنمية المحلية:
    لو استُثمر في تسهيل الوصول إلى المنتجات المحلية بأسعار معقولة، لكان لذلك تأثير إيجابي على الاقتصاد المحلي. عندما يتمكن المواطن من شراء منتجات محلية، فإنه يعزز الطلب الداخلي ويحافظ على التوازن بين الصادرات والاستهلاك المحلي.
  1. ماذا يمكن فعله؟

  • تعزيز السياسات الرقابية:
    على الدولة أن تضع حدًا لاحتكار السوق وضمان شفافية الأسعار. هذا يتطلب فرض رقابة صارمة على معاصر الزيت وشبكات التوزيع.
  • تشجيع المبادرات المحلية:
    يمكن للحكومة دعم التعاونيات الصغيرة التي تبيع زيت الزيتون مباشرة للمستهلكين بأسعار معقولة. هذا النوع من المبادرات يُخفض التكاليف ويزيد من تنافسية المنتج.
  • إعادة النظر في استراتيجيات التصدير:
    يجب أن يكون هناك توازن بين التصدير وتأمين احتياجات السوق المحلية. إذا كان تصدير زيت الزيتون يحقق مكاسب للعملة الصعبة، فإنه لا ينبغي أن يكون على حساب حق المواطن في الحصول على منتج وطني بأسعار عادلة.
  • تثقيف المستهلك المحلي:
    حملات توعية لتعريف المستهلك بحقه في المطالبة بأسعار معقولة، مع تسليط الضوء على تأثير الاحتكار ودور التعاونيات المحلية.
  1. السياق الأوسع: التحديات العالمية والمحلية

ما يحدث في سوق زيت الزيتون يعكس أزمة أوسع يعاني منها المغرب ودول مشابهة. هذه الأزمة تتمثل في التضحية بالمصالح المحلية لصالح أولويات اقتصادية تخدم فئات معينة فقط. في المقابل، دول أخرى تضع مصلحة المواطن على رأس أولوياتها، وهو ما ينعكس في الفروقات الشاسعة في الأسعار وجودة الحياة.

الخلاصة: رؤية بعيدة المدى

ارتفاع أسعار زيت الزيتون هو علامة تحذير تستدعي تدخلًا عاجلًا. إذا استمر هذا النهج، فإن العلاقة بين المواطن والمنتج المحلي ستصبح أكثر تعقيدًا، مما يؤدي إلى استيراد حلول غير مستدامة على المدى الطويل. الحل يكمن في تغيير جذري للسياسات الاقتصادية لتكون أكثر عدالة وشمولية، بحيث يشعر المواطن أن ثروات بلاده هي حق طبيعي له، وليست امتيازًا مشروطًا.

سؤال أخير للمواطن المغربي:

هل ستظل متفرجًا على هذا الوضع، أم ستطالب بالتغيير؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى