مجتمع

الفساد تحت المجهر: هل يملك القانون المغربي أسنانه أم أنه مجرد نمر من ورق؟

دابا ماروك

مفهوم الفساد من منظور القانون

الفساد في السياق القانوني المغربي يشمل مجموعة من الأفعال التي تُعتبر إخلالًا بمبادئ النزاهة والشفافية في تسيير الشأن العام. وفقًا للفصل 36 من الدستور المغربي، يُحظر على كل مواطن أو مسؤول عمومي القيام بأي ممارسات أو أفعال تخالف مبادئ النزاهة أو تشجع على استغلال النفوذ أو سوء استغلال الموارد العامة.

القانون الجنائي المغربي يفصّل الجرائم المرتبطة بالفساد، مثل:

  • الرشوة (الفصول 248-256): سواء من طرف الموظف العمومي أو الأفراد.
  • استغلال النفوذ (الفصل 250): استغلال المركز الوظيفي لتحقيق مصالح شخصية.
  • اختلاس المال العام (الفصل 241): يُجرم تبديد الأموال العمومية.

الإطار المؤسساتي: بين القوة النظرية والتطبيق العملي

  1. الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها (INPPLC):

تمثل الهيئة محور الجهود المؤسساتية لمكافحة الفساد، وهي مكلفة بمراقبة تنفيذ التدابير الوقائية والتدخل عند الضرورة.

  • الصلاحيات:
    • تلقي الشكاوى المتعلقة بالفساد.
    • التحقيق في الشكاوى وإحالتها على القضاء.
    • اقتراح سياسات لتعزيز النزاهة.
  • التحديات:
    • قلة الموارد المالية والبشرية.
    • نقص التعاون من بعض المؤسسات العمومية والخاصة.
  1. القضاء: دور حاسم في مكافحة الفساد

القضاء هو الجهة المسؤولة عن البت في قضايا الفساد التي تصل إلى المحاكم.

  • الإصلاحات القضائية:
    تم تعزيز استقلال القضاء بعد تبني دستور 2011، وأُنشئ المجلس الأعلى للسلطة القضائية لضمان عدم تدخل السلطة التنفيذية.
  • التحديات القضائية:
    • بطء الإجراءات القضائية.
    • قضايا الفساد الكبرى تحتاج خبرات قانونية وتقنية متخصصة في الجرائم المالية، والتي غالبًا ما تكون محدودة.
  1. مؤسسات الرقابة:
  • المجلس الأعلى للحسابات:
    يُعتبر المجلس الجهة الرئيسية في مراقبة المال العام. يقوم بإعداد تقارير مفصلة عن تجاوزات المؤسسات العمومية.
  • التحديات:
    • عدم تفعيل التوصيات الواردة في تقاريره بشكل فعّال.
    • غياب المتابعة القانونية الصارمة.

النصوص القانونية: هل هي كافية؟

  1. القوانين الجنائية:
  • نقاط القوة:
    توفر القوانين الحالية أساسًا قانونيًا واضحًا لمعاقبة مرتكبي جرائم الفساد، مثل الرشوة واستغلال النفوذ وتبديد الأموال العامة.
  • نقاط الضعف:
    • غياب نصوص واضحة تُجرّم “الإثراء غير المشروع” بشكل مباشر، رغم وجود محاولات لإدراجها.
    • العقوبات في بعض الحالات ليست كافية لردع المتورطين، خاصة في القضايا الكبرى.
  1. قانون حماية المبلغين عن الفساد:

رغم أن القانون يوفر حماية قانونية للمبلغين، إلا أن التطبيق العملي يكشف عن قصور:

  • عدم وجود ضمانات كافية ضد الانتقام المهني أو الاجتماعي من المبلغين.
  • الخوف من فقدان الوظيفة أو التعرض لضغوط يجعل الكثيرين يترددون في الإبلاغ عن الفساد.
  1. قانون التصريح بالممتلكات:

يلزم القانون المسؤولين العموميين بالتصريح بممتلكاتهم دوريًا، لكنه يعاني من تحديات:

  • ضعف آليات المراقبة.
  • غياب العقوبات الصارمة ضد التصريحات الكاذبة أو تضارب المصالح.

التحديات الكبرى في التحقيقات الجنائية المتعلقة بالفساد

  1. تعقيد الجرائم الاقتصادية

الفساد لا يتجلى دائمًا في شكل واضح مثل الرشوة المباشرة. تتخذ الجرائم الاقتصادية أشكالًا معقدة تشمل:

  • تلاعبًا في الصفقات العمومية.
  • تحويل الأموال إلى حسابات خارجية (التهريب المالي).
  • إنشاء شبكات من الشركات الوهمية لتبييض الأموال.
  1. محدودية الموارد البشرية والتقنية

التحقيق في الجرائم الاقتصادية يتطلب فرقًا متخصصة من المحققين والقضاة ذوي الكفاءة في:

  • المحاسبة الجنائية.
  • تتبع الأموال عبر الحدود.
  • استخدام الأدلة الرقمية.
  1. التدخلات السياسية

تُعد واحدة من أكبر العقبات أمام التحقيقات الجنائية. في بعض الحالات، تتوقف القضايا أو تتباطأ بسبب تدخل أصحاب النفوذ السياسي أو الاقتصادي.

  1. ضعف التعاون الدولي

رغم انضمام المغرب إلى اتفاقيات دولية مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، إلا أن التعاون في استرجاع الأموال المهربة وتبادل المعلومات يبقى محدودًا.

الإصلاحات المطلوبة

  1. تفعيل قوانين أكثر شمولية
  • إقرار قانون واضح وصارم لتجريم “الإثراء غير المشروع”.
  • تعزيز العقوبات المتعلقة بالتصريحات الكاذبة بالممتلكات.
  1. تعزيز الحماية للمبلغين
  • توفير ضمانات قانونية فعالة للمبلغين عن الفساد.
  • إنشاء صندوق لدعم المبلغين الذين يتعرضون لضغوط أو فقدان وظائفهم.
  1. إصلاح المؤسسات الرقابية
  • تمكين المجلس الأعلى للحسابات من فرض عقوبات مباشرة على المتورطين.
  • تحسين التنسيق بين مؤسسات الرقابة والهيئات القضائية.
  1. تطوير الموارد البشرية والتقنية
  • إنشاء وحدات خاصة للتحقيقات المالية والرقمية.
  • تدريب المحققين والقضاة على التعامل مع الجرائم الاقتصادية المعقدة.
  1. تعزيز التعاون الدولي
  • تفعيل مذكرات التفاهم مع الدول الأخرى لاسترجاع الأموال المنهوبة.
  • تبادل المعلومات حول الجرائم العابرة للحدود.

خلاصة: هل النظام القانوني كافٍ؟

على المستوى النظري، يمتلك المغرب إطارًا قانونيًا متينًا لمكافحة الفساد. لكن التحدي الأكبر يكمن في التطبيق العملي للنصوص القانونية، وضمان استقلالية القضاء، وتعزيز الرقابة والمساءلة.
يبقى الحل في توافر الإرادة السياسية الحقيقية والإجراءات الجريئة لتحويل النصوص إلى أفعال ملموسة تُعيد الثقة للمواطنين في نزاهة المؤسسات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى