دابا ماروك
في مشهد لا يخلو من الكوميديا السوداء، شهد اجتماع لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب اليوم الثلاثاء 21 يناير انسحابًا جماعيًا لنواب المعارضة، وذلك بعد أن أغلقت الحكومة الباب أمام تعديلاتهم على مشروع قانون نظام الضمان الاجتماعي. كان هذا الحدث فرصة جديدة لتأكيد قاعدة: “الرأي الواحد هو الحاكم، والباقي مجرد أصوات تُسمع ولا تؤخذ بعين الاعتبار”.
المعارضة: “التعديلات لتحسين النظام… لا أكثر”
قدمت المعارضة تعديلات وصفتها بأنها جوهرية وضرورية لضمان أن النظام الجديد يلبي احتياجات الفئات الأكثر هشاشة. التعديلات لم تكن ثورية، ولم تطالب بهدم النظام وإعادة بنائه، بل ركزت على تحسينه وجعله أكثر كفاءة وعدالة. لكن الحكومة، وكأنها تضع سدًا منيعًا، رفضت جميع التعديلات دون أن تكلف نفسها عناء تقديم تبرير واحد.
بووانو والصرخة المستاءة
عبد الله بووانو، رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، بدا وكأنه يلعب دور المعلّق في مباراة طرفها الآخر لا يريد اللعب. أشار إلى أن المعارضة قدمت مقترحي قانون وتعديلات مصاحبة تتناول نقاطًا حساسة، إلا أن الحكومة رفضتها جميعًا.
التعديلات: مطالب بسيطة أم أمنيات مستحيلة؟
- توحيد إدارة أنظمة الضمان الاجتماعي:
المعارضة اقترحت دمج إدارة الأنظمة المختلفة في مجلس واحد لتحقيق الكفاءة والشفافية. يبدو الطلب منطقيًا، لكن الحكومة رأت أنه غير عملي أو ربما أرادت تجنب “صداع الإصلاح”. - حد زمني للمناصب:
اقترحت المعارضة وضع سقف زمني لشغل المقاعد في المجلس الإداري للضمان الاجتماعي (ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة)، كخطوة لتغيير الوجوه التي يبدو أن بعضها أصبح جزءًا دائمًا من المشهد. لكن الحكومة قررت أن “الاستمرارية في المنصب” فضيلة لا يمكن التخلي عنها. - إصلاح وضعية المصحات الخاصة:
منذ 1972، يدير صندوق الضمان الاجتماعي 13 مصحة، لكن مع تراكم الاختلالات التي كشفت عنها لجان تقصي الحقائق، طالبت المعارضة بإجراء إصلاح شامل. إلا أن الحكومة، بدلاً من الاعتراف بالمشكلة، اختارت تجاهلها وكأن المصحات تعمل بسلاسة لا تضاهيها حتى السويسرية.
انسحاب المعارضة: احتجاج أم انسحاب اضطراري؟
رفض الحكومة للتعديلات دون نقاش دفع المعارضة إلى الانسحاب كوسيلة للتعبير عن الاستياء، وهي خطوة تبدو أقرب إلى “إعلان هزيمة مشرفة”. المعارضة اعتبرت البرلمان منصة لإدخال التعديلات التي تخدم الشعب، لكن الحكومة قررت أن التعديلات التي جاءت بها لا تستحق حتى النقاش.
تحليل المشهد: من الخاسر الحقيقي؟
ما حدث اليوم ليس إلا دليلًا على غياب الإرادة الحقيقية لتطوير نظام الضمان الاجتماعي بشكل يخدم الفئات الأكثر تضررًا. الحكومة برفضها التعديلات أظهرت أنها تتعامل مع البرلمان كمجرد غرفة تسجيل لما تقرره مسبقًا، أما المعارضة فبدت وكأنها تقف عاجزة أمام عقلية الإغلاق المطلق. النتيجة؟ استمرار نظام الضمان الاجتماعي في مواجهة نفس التحديات المزمنة دون حلول فعلية، بينما يتحمل المواطن البسيط أعباء قرارات لا يشارك فيها أحد باسمه أو لصالحه.