المغرب: وطن يبكي ويضحك في آن واحد
م-ص
في المغرب، تبدأ يومك بابتسامة عريضة وتنهيه بدمعة لا إرادية، وكأنك عالق في مسرحية عبثية يخرجها القدر بنفسه. هذا الوطن، الذي يحمل على كتفيه تراثًا من التناقضات، هو مكان يمكن أن تجد فيه الفرح في أبسط الأشياء والحزن في أكثر اللحظات تعقيدًا.
مشهد أول: الابتسامة بين أزقة الأحياء الشعبية
في الحي الشعبي، حيث يجتمع الجميع حول كأس شاي مُرّ مع السكر (تناقض صغير يعكس حياتنا كلها)، تجد هناك رجلًا يروي النكات بنفس الحماس الذي يروي به معاناته مع فاتورة الكهرباء. “أنا أعمل كي أضيء المصباح، لكن المصباح أطفأني!”، يقول الرجل، ويضحك الجميع من مأساة تحولت إلى نكتة.
ثم ترى الطفل الصغير يلعب كرة القدم بحذاء مهترئ، يراوغ الحياة كما يراوغ خصومه. بالنسبة له، الفوز يعني هدفًا، والخسارة تعني انتظار فرصة أخرى، تمامًا كآبائه الذين ينتظرون الأمل مع كل موسم سياسي جديد.
مشهد ثانٍ: الحزن في طوابير الانتظار
في الصباح، تجد طوابير طويلة أمام مكتب بريدي أو مستشفى عمومي، طوابير لا تنتهي وكأنها تنتمي لفيلم كلاسيكي بالأبيض والأسود. هناك، تجد ابتسامة خجولة على وجه مسنّ يقول: “هذه ليست طوابير، هذه دروس في الصبر!”
ووسط الزحام، تسمع أمًّا تبكي لأن ابنها مريض ولا يوجد طبيب، لكنك في اللحظة ذاتها تسمع شابًا يضحك بصوت عالٍ لأن أحدهم وقع من على دراجته النارية وهو يحاول تجاوز الطابور.
مشهد ثالث: الطرقات وأحلام “الحريك“
في أحد المقاهي بطنجة، يجلس الشباب يحلمون بالهروب إلى الضفة الأخرى، إلى “الجنة الأوروبية”. أحدهم يقول: “عندما أصل إلى هناك، سأعيش كالوزراء!”، ثم يضيف آخر وهو يضحك: “لكن لا تنسَ، حتى الوزراء في أوروبا يدفعون الضرائب!”
وفي الوقت نفسه، ترى مغاربة عادوا من أوروبا، يحملون حنينًا للوطن، ويقولون: “الغربة ليست كما تتصورون… نشتاق للشاي، للخبز، حتى لطوابير الانتظار.” تناقض آخر يجعل الوطن أشبه بأغنية حزينة تثير البهجة في قلوبنا.
مشهد رابع: “الشفّارة” أصحاب الملايين في وطن أصحاب الدراهم
في كل بلد هناك طبقة غنية وطبقة فقيرة، أما في المغرب فهناك طبقة تسرق وطبقة تتفرج، وكأننا في عرض “ستاند آب كوميدي” طويل الأمد. هؤلاء “الشفّارة” الذين يتقنون فنّ جمع الثروات، ينامون قريري العين على حساب شعب لا يعرف النوم إلا تحت وطأة الأحلام المؤجلة.
تصحو في الصباح لتقرأ خبرًا عن اختلاس مليار هنا أو “تبخر” مشروع هناك، بينما المواطن البسيط يسأل نفسه: “كيف يمكنهم سرقة هذا القدر الكبير؟ أنا بالكاد أستطيع سرقة خمس دقائق للراحة من العمل!”
وللمفارقة، تجدهم يخرجون علينا بخطاباتهم الرنانة عن “الإصلاح ومحاربة الفساد”. أحدهم يقول في ندوة صحفية: “لقد قضينا على الفساد!”، فتضحك وتبكي في نفس الوقت، لأن الفساد يبدو وكأنه هو من يقضي علينا.
أما عن المحاسبة، فهي حكاية خرافية تروى للأطفال، لأن العدالة لدينا بطيئة جدًا لدرجة أنها تصل متأخرة، وعندما تصل، تجد القضية قد تقادمت، أو ربما الشخص المعني قد هاجر… إلى سويسرا أو كندا.
مشهد ختامي: المغرب الذي نحبه رغم كل شيء
في نهاية اليوم، يجتمع الجميع حول مائدة عشاء بسيطة، حيث الخبز والزيتون يكفيان لإسعاد أسرة بأكملها. الوطن هنا ليس في الرفاهية، بل في الدفء، في النكات التي تخفف عبء الحياة، وفي ذلك الحلم الذي يجعل المغاربة يعيشون على أمل أن “الغد سيكون أفضل.”
المغرب وطن يضحكك حتى البكاء، ويبكيك حتى الابتسام. إنه ذلك الصديق الذي لا يمكنك أن تغضب منه طويلًا، لأنه يعرف كيف يسرق منك ضحكة حتى في أصعب الظروف.
تحليل المشاهد: أمل لا يموت
ورغم ذلك، لا يموت الأمل في هذا الوطن. المغاربة شعب يعرف كيف يتجاوز الصعاب، كيف يضحك من جراحه، وكيف يبتكر طرقًا للعيش حتى في أصعب الظروف. فهم في النهاية يدركون أن “الشمس لا تغيب”، لكنها أحيانًا تختبئ خلف الغيوم الكثيفة… أو خلف بعض الجيوب العميقة.