قانون الإضراب: محاولة لإنقاذ سمعة الحكومة أم فوضى قانونية جديدة؟
دابا ماروك
في عالم السياسة المغربية، حيث تُطرح القوانين وكأنها هدايا غير مشروطة تُقدّم للطبقات الشعبية، يُطرح قانون الإضراب الجديد وكأنه الاختراع الثوري الذي سيُغيّر مجرى التاريخ. لو كان هذا القانون قد ظهر قبل ستين عامًا، لكان بإمكانه أن يغير مجرى الزمان والمكان، ولكنه في الوقت الحالي لا يبدو أكثر من محاولة لرفع شعارات تحاول التوفيق بين المصالح المتضاربة لطبقات المجتمع المتنوعة.
الحديث عن “شجاعة الحكومة” في طرح هذا القانون يثير ضحكًا أكثر من الحماس. كيف لا؟ وقد تأخر المشروع أكثر من 60 عامًا، ومن ثم جاء ليؤكد على “أهمية الالتزام” و”الوفاء بالتعهدات”. وكأن الحكومة كانت تشاهد عرضًا مسرحيًا طوال هذه السنوات، ثم أخيرًا قررت أن تصعد على خشبة المسرح وتقول “لقد حان وقت التغيير!”. لا أحد ينكر أن طرح قانون ينظم الإضراب أمر مهم، ولكن كل هذا الاستعراض وكأن الحكومة هي أول من اكتشف الفكرة، يجعل الأمور تبدو وكأننا نعيش في زمن بعيد عن الواقع.
وعن تلك “المزايدات السياسية” التي تُخيف البعض، لا بد من الاعتراف بأن هذه المزاعم أصبحت جزءًا من الديكور السياسي. لا شيء يثير الإعجاب أكثر من ربط القوانين بمصلحة “المواطنين”، لكن الحقيقة أن هذا القانون سيظل محكومًا بتوازن غير مستقر بين حق الإضراب وحق العمل، وهو توازن لا يستطيع الجميع إدراكه إلا بعد تنفيذ القانون على أرض الواقع.
ورغم أن “التوسع في نطاق الإضراب” يبدو وكأنه إنجاز عظيم، حيث أصبح بإمكان كل نقابة –حتى الصغيرة منها- الدعوة للإضراب، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل من المنطقي أن نُوسع دائرة المسؤولية دون أن نُضمن الشروط اللازمة لتجنب الفوضى؟ فهل سيصبح إضرابًا عامًا في أي وقت، وكأن الناس في المغرب ينتظرون إشارة انطلاقه من أي مكان؟
ثم يأتي الحديث عن “حذف المقتضيات الجنائية” وتخفيف مدة الإضراب، وكأن هذا هو الحل السحري لجميع المشاكل. هل هذا يُعد إنجازًا حقيقيًا، أم مجرد تحايل لتصوير القانون في صورة الأكثر “مرونة” دون النظر إلى تداعياته الفعلية؟ فالمصالح الاقتصادية بحاجة إلى استقرار، لا أن يكون الإضراب هو الحل المفضل لأي أزمة.
لكن في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل سيتحقق التوازن الفعلي بين الحقوق والواجبات، أم أن هذا القانون الجديد سيصبح مجرد سطور على ورق، وجزءًا من “الإنجازات” السياسية التي تظهر في الوعود ولكن لا تصل إلى الواقع؟