
الصحافة في المغرب: بين المهنية والاستغلال
دابا ماروك
تواجه مهنة الصحافة في المغرب تحديات جدية تتجاوز انتحال الصفة لتصل إلى ممارسات تهدد القيم الأخلاقية التي تقوم عليها. لا يقتصر الأمر على ضعف الرقابة أو الفوضى التنظيمية، بل يمتد إلى أشكال من الاستغلال غير المشروع، التي يلجأ إليها بعض المتطفلين على المجال، ما يزيد من تعقيد الوضع ويعمق أزمة الثقة في القطاع.
ابتزاز باسم الصحافة
من الظواهر الخطيرة التي أضحت تشوه صورة الصحافة في المغرب، استخدام المهنة كغطاء لممارسات الابتزاز. يستغل بعض الأشخاص الذين ينتحلون صفة الصحافي الوصول إلى معلومات حساسة أو التعامل مع شخصيات عامة ومؤسسات خاصة، ليقوموا بابتزازهم بمعلومات أو أخبار قد تكون غير دقيقة أو مبالغًا فيها. هذه الممارسات، التي تعتمد على التهديد بنشر محتوى يسيء إلى سمعة الأفراد أو المؤسسات، تشوه مفهوم الصحافة كوسيلة لنقل الحقيقة وتوجيه الرأي العام.
التسول في الحانات باسم صاحبة الجلالة
من بين الظواهر المثيرة للجدل التي أصبحت تلقي بظلالها على مهنة الصحافة في المغرب، تسلل بعض الأشخاص إلى الحانات والمقاهي وهم يحملون ألقابًا صحافية التي قد تستند أو لا تستند إلى أي صفة قانونية أو مهنية. هؤلاء يستغلون اسم “صاحبة الجلالة” للتسول بأساليب غير مباشرة، تبدأ بالتقرب من الزبائن والمسؤولين، وتنتهي بطلب مشروبات مجانية أو مبالغ مالية تحت ذرائع مختلفة. هذه السلوكيات لا تمس فقط بسمعة الصحافة، بل تجعل المهنة رهينة تصرفات أقل ما يقال عنها إنها استغلالية، ما يدفع بالمهنيين الشرفاء إلى رفع أصواتهم لحماية المهنة من هذا الانحدار الأخلاقي والتسيب الذي يهدد مصداقيتها.
العمل الصحفي: بين المهنية والتسيب
يشير مهنيون إلى أن استباحة المهنة سمحت بدخول عناصر غير مؤهلة، استغلت غياب الشروط الصارمة لتأسيس الصحف الإلكترونية، وجعلت منها أدوات للحصول على امتيازات أو تحقيق مكاسب شخصية. من بين هذه السلوكيات:
الترويج المدفوع للمصالح: بعض المتطفلين يعرضون خدماتهم على مؤسسات أو أفراد مقابل أموال أو امتيازات، لتلميع صورتهم أو تحسين سمعتهم في الإعلام، بغض النظر عن صحة المعلومات المنشورة أو تداعياتها.
التشهير والإساءة: يلجأ البعض إلى نشر أخبار مغلوطة أو مُلفّقة تهدف إلى الإساءة لأشخاص أو جهات، إما للانتقام أو للحصول على مكاسب مالية في إطار تسويات غير مشروعة.
الضغط على المؤسسات العامة والخاصة: يتخذ البعض من الصحافة وسيلة لابتزاز المؤسسات، عبر تهديدهم بنشر تقارير مسيئة إن لم يحصلوا على دعم مادي أو إعلانات مدفوعة.
انعكاسات على سمعة المهنة
هذه الظواهر تؤثر سلبًا على صورة الصحافة المغربية، حيث أصبح من الصعب التمييز بين الصحافي المهني والمتطفل الذي يستغل المهنة لأغراض شخصية. انعكس ذلك على مستوى ثقة الجمهور في الإعلام، حيث بات يُنظر إلى العمل الصحفي بريبة، خاصة مع انتشار محتوى يفتقد إلى الموضوعية والمصداقية.
الحاجة إلى إجراءات صارمة
يدعو مهنيون في القطاع إلى اتخاذ إجراءات حازمة لضبط الوضع، ومن بينها:
تعزيز الإطار القانوني: سن قوانين تمنع تأسيس صحف أو مواقع إلكترونية دون استيفاء الشروط المهنية والقانونية، بما في ذلك التحقق من المؤهلات الأكاديمية والمهنية للمؤسسين والعاملين.
مكافحة الابتزاز والتشهير: تطبيق عقوبات صارمة على الممارسات التي تستغل العمل الصحفي لأغراض غير مشروعة، بما يشمل الابتزاز ونشر الأخبار الزائفة.
تعزيز الرقابة: تفعيل دور المجلس الوطني للصحافة والجهات القضائية لمراقبة القطاع وضبط المخالفين، مع وضع آليات واضحة لتلقي الشكاوى ومعالجتها.
إعادة بناء الثقة: إطلاق حملات توعية تستهدف الجمهور لتوضيح الفرق بين العمل الصحفي المهني والممارسات الدخيلة.
استعادة مكانة الصحافة
لحماية الصحافة المغربية من الانزلاق نحو الفوضى، يجب التركيز على ترسيخ القيم المهنية والأخلاقية التي تميز المهنة كركيزة للديمقراطية ووسيلة لإيصال الحقيقة. هذا يتطلب تدخلًا شاملًا من الجهات الوصية، مع تعزيز دور المؤسسات الإعلامية في تقديم محتوى يليق بتطلعات المجتمع ويعكس الواقع بمهنية وموضوعية.