حين يتحول عامل إقليم إلى قاضٍ وجلاد: فضيحة مهاجمة المدير الإقليمي للتعليم بسطات تُشعل الغضب والعذر أكبر من الزلة
دابا ماروك
في واقعة أثارت جدلًا واسعًا عبر منصات التواصل الاجتماعي، ظهر عامل إقليم سطات، إبراهيم أبوزيد، في مقطع فيديو يوبخ المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بشكل تجاوز كل الحدود، خلال اجتماع رسمي بحضور رؤساء المصالح الخارجية وممثلين عن الجماعات المحلية، بل وجيش من الهواتف التي وثقت الواقعة.
أكيد أن الأمر لن يمر مرور الكرام، سيما وأن الواقعة دفعت ست نقابات تعليمية للاحتجاج ضد هذا السلوك، مُعلنةً تضامنها مع المدير الإقليمي المعني. كما أنه من غير المستبعد أن يُثير هذا التصرف حفيظة فعاليات المجتمع المدني، التي قد ترى في ما حدث إهانة غير مبررة تستدعي التصعيد.
القضية بين الظاهر والمضمر
ما كان يمكن أن يكون لقاءً إداريًا لتقييم أسباب تعثر مشروع إنجاز 29 ملعبًا للقرب بالإقليم، تحول إلى ساحة جدل مفتوحة. العامل انتقد -بطريقة لا تليق بمكانة عامل إقليم- تأخر إنجاز المشروع الذي بدأت الاتفاقية الخاصة به منذ 2014، وتم تحيينها في 2019، وسط مبررات اعتبرها “غير مقنعة”. ومن جهته، ذكر مصدر مأذون من العمالة أن الأمر لم يكن إهانة، بل مجرد “حدة خطاب” نابعة من الإحباط إزاء هذا التأخير.
ولكن، هل كانت هذه الطريقة هي الأنجع لمساءلة المدير الإقليمي؟ أم أن الواقعة تعكس أسلوبًا في إدارة الأزمات يركز على الاستعراض بدلًا من حل المشاكل بطرق أكثر مهنية وفعالية؟
حقائق التأخير: مسؤولية مشتركة أم كبش فداء؟
بحسب المصدر، فإن المشروع الذي يهدف إلى إنشاء وتأهيل ملاعب القرب كان يعاني من:
- تعثر في تنفيذ الصفقات: من أصل 29 ملعبًا، أُنجزت صفقات 10 ملاعب فقط، ولم تُنفذ. أما الـ19 المتبقية، فلم تُعلن صفقاتها منذ 6 سنوات.
- ضعف أداء المقاولات: المقاول الذي أُسندت إليه الملاعب العشرة لم يباشر العمل بسبب مشاكل في التجهيزات.
- عدم تفعيل الإجراءات القانونية: كان بإمكان المدير الإقليمي توجيه إنذارات للمقاولين أو إلغاء الصفقات، لكنه اكتفى بتقديم مبررات وصفت بأنها غير واقعية.
ورغم هذه التفاصيل، فإن مساءلة المدير الإقليمي عن التأخير لم تكن تستوجب “التوبيخ العلني” أمام باقي المسؤولين وجمهور واسع. مثل هذه القضايا تُعالج عادة عبر مراسلات مكتوبة واستفسارات رسمية تحفظ كرامة الأطراف، مع احترام دور المؤسسات.
انعكاسات الواقعة: إدارة خاطئة للصورة؟
في عصر الهواتف الذكية، أصبح أي اجتماع مفتوح عرضة للتوثيق والنشر الفوري. ولذلك، كان من المفترض أن يراعي عامل الإقليم حساسية الموقف ويختار خطابًا يعكس احترامه للهرم الإداري والمؤسساتي.
هذا الحادث يُبرز خللًا في إدارة الصورة العمومية لمسؤولي الدولة، إذ أن هذه الواقعة لم تخدم “الصالح العام”، بقدر ما فتحت الباب للتأويلات والتفسيرات السلبية.
دور وزارة التربية الوطنية: غياب الرد الرسمي
أثار صمت وزارة التربية الوطنية بشأن ما حدث تساؤلات عديدة. فلم تصدر الوزارة أي بيان يوضح موقفها من الواقعة، سواء للدفاع عن موظفها أو للإقرار بوجود خلل في التدبير. هذا الغياب الإعلامي يُفقد الوزارة جزءًا من مصداقيتها، خاصة عندما يتعلق الأمر بكرامة أحد ممثليها.
إدارة الأزمات: الحاجة إلى مقاربة مهنية
التجربة أثبتت أن التوبيخ العلني، خاصة أمام جمهور واسع، ليس الطريقة المثلى لإدارة الأزمات. مثل هذه المواقف تستوجب:
- اعتماد المساءلة المكتوبة: استفسار رسمي يُرسل للمعني بالأمر لتقديم تقرير مفصل حول أسباب التأخير.
- تنسيق داخلي محكم: ضمان تعاون بين العمالة والقطاع الوزاري المعني لتجاوز العقبات.
- الحفاظ على الهيبة المؤسسية: انتقاد الأداء لا يجب أن يتحول إلى إهانة شخصية.
خلاصة: بين الصالح العام واحترام الأفراد
بين حدة الخطاب وحق المواطن في ملاعب لائقة، تبرز الحاجة إلى مقاربة متوازنة تُعالج جوهر المشاكل دون المساس بكرامة الأفراد. الواقعة التي كان يمكن أن تكون درسًا في الحكامة الجيدة، تحولت إلى جدل حول الأسلوب والآثار السلبية للاستعراض غير المدروس.
المطلوب اليوم ليس فقط تسريع تنفيذ المشاريع، بل أيضًا إرساء ثقافة إدارية ترتكز على الاحترام المتبادل والتعامل المؤسساتي المهني وتوقيف هذا العامل الذي استأسد في غفلة من الزمن.