الرأي

عندما تتداخل السينما مع الواقع: دروس من الشاشة الفضية إلى المشهد المغربي

م-ص

مشهد الفيلم الأمريكي الذي تابعناه يمكن أن يثير في أذهاننا العديد من التساؤلات حول العدالة، السلطة، وميزان القوى بين المال والقانون. القصة التي تدور حول قاضية شجاعة تواجه زعيم عصابة متورط في قضايا فساد وغسيل الأموال ليست فقط سيناريو محبوكًا لإثارة المشاهدين، بل هي مرآة تعكس صراعًا عالميًا قائمًا: هل يمكن للقانون أن ينتصر عندما يكون الخصم مسلحًا بالمال والنفوذ؟

في السينما الأمريكية، غالبًا ما نجد المخرجين ينحازون لنصرة الحق، حتى لو كان ذلك في آخر لحظات الفيلم، حيث تنتصر العدالة بطريقة ما. لكن إذا نظرنا إلى الواقع المغربي، نجد سيناريوهات مختلفة تمامًا. هنا، أصحاب الرساميل، خاصة أولئك المتورطون في فضائح مالية وأخلاقية، غالبًا ما يخرجون من المعارك القضائية كما لو كانوا “الشعر من العجين”، بلا عقاب أو حتى شبهة محاسبة حقيقية.

المال والنفوذ: عندما يصبح القانون وسيلة للالتفاف

في المغرب، حيث يتشابك المال بالسياسة، والقضاء بالإدارة، كثيرًا ما نشهد قضايا كبرى تثير اهتمام الرأي العام، لكنها تنتهي بلا أثر ملموس. لنأخذ أمثلة على فضائح اقتصادية شغلت المغاربة، بدءًا من التلاعب في صناديق التقاعد، إلى فضائح الفساد والصفقات العمومية المشبوهة. في كل مرة، يتساءل المواطن العادي: كيف انتهت القضية؟ الإجابة، في كثير من الأحيان، تكون: “تم إغلاق الملف بسبب نقص الأدلة أو تسوية ودية خارج المحكمة”.

أدوات التأثير: شراء الصمت ونسج الخيوط

تمامًا كما رأينا في الفيلم، حيث تم شراء صمت الشاهدة الوحيدة، يحدث الأمر نفسه في الواقع. لكن في المغرب، هذه الديناميكية ليست مجرد خيال سينمائي. هنا، تُستخدم الأموال لإسكات الشهود، أو لشراء ذمم القائمين على العدالة. يحدث هذا بطرق ملتوية: توظيف النفوذ السياسي، التلاعب بالإجراءات القانونية، أو حتى إغراق القضايا في دوامة من البيروقراطية التي تقتلها ببطء.

هل من أمل في التغيير؟

الإجابة عن هذا السؤال معقدة، لكن ليست مستحيلة. إذا أردنا رؤية تغيير جذري في المغرب، يجب أن يبدأ من مجموعة من النقاط الأساسية:

  1. استقلالية القضاء:
    القضاء يجب أن يكون سلطة حقيقية، بعيدة عن أي تأثيرات خارجية. استقلالية القضاء تعني أن القانون يُطبق على الجميع، بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية أو ثرواتهم.
  2. تعزيز الشفافية:
    الشفافية ليست مجرد شعار؛ يجب أن تكون مبدأً عمليًا تُدار به كل المؤسسات العامة والخاصة. الرقابة الصارمة على تدفق الأموال، ونشر نتائج التحقيقات، وتطبيق مبدأ “من أين لك هذا؟” يمكن أن تشكل أدوات فعالة.
  3. المحاسبة الجدية:
    ربط المسؤولية بالمحاسبة مبدأ دستوري، لكنه لا يزال بعيدًا عن التطبيق الكامل. المحاسبة الجدية تعني أن المسؤول، مهما كان منصبه، يجب أن يتحمل العواقب إذا تورط في فضيحة فساد أو تلاعب بالمال العام.
  4. دور المجتمع المدني والإعلام:
    المجتمع المدني والإعلام يشكلان صمام أمان لكشف الفساد. دعم المنظمات غير الحكومية التي تعمل على محاربة الفساد، وتشجيع الصحافة الاستقصائية يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا.

أفق التغيير: هل السيناريو ممكن؟

التغيير الجذري يتطلب إرادة سياسية قوية ورغبة شعبية في الإصلاح. ومع التطورات الأخيرة، من الممكن أن نشهد بداية لتحولات تدريجية. فحركات مكافحة الفساد في المغرب بدأت تأخذ مكانها، ولو ببطء. المبادرات التي تشجع على الحكامة الرشيدة واستخدام التكنولوجيا لمحاربة الفساد (مثل رقمنة الخدمات) توفر بصيص أمل.

لكن يجب أن ندرك أن السينما الأمريكية تبيعنا الحلم أكثر مما تبيعه الواقع. في المغرب، كما في أي مكان آخر، التغيير يحتاج إلى وقت، وجهد، واستعداد لمواجهة مقاومة شرسة من شبكات المصالح الراسخة. السؤال هو: هل نحن مستعدون لدفع الثمن لتحقيق عدالة حقيقية؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى