دابا ماروك
في حياتنا اليومية، نسمع بين الفينة والأخرى عن اعتقال “الباشا” أو “القائد” أو غيرهم من المسؤولين المحليين، في غالب الأحيان بعد تورطهم في قضايا فساد أو استغلال نفوذ. إلا أن ما يثير الاستغراب هو غياب الحديث عن “العامل” الذي قد يتم القبض عليه وهو في حالة تلبس وهو يبتز رؤساء مجالس العمالات والجماعات أو أصحاب الشركات أو المقاولات أو حتى مسؤولي الأندية الرياضية. هذا الفساد المتأصل في بعض دوائر السلطة المحلية هو نتاج لثقافة عميقة الجذور في جهاز الدولة، حيث يصبح الموظف العمومي، الذي من المفترض أن يكون خادماً للمصلحة العامة، أداةً في يد من يملك القوة والنفوذ لتحقيق مآرب شخصية.
الفساد في مراحل ما قبل الانتخابات
لا يخفى على أحد أن موسم الانتخابات يعد، في الكثير من الأحيان، فصلاً مشحوناً بالمال والحوافز المخبأة خلف شعارات الوعود الكبيرة. في هذه الفترة، تزدهر الحياة السياسية وتظهر أنواع جديدة من الصفقات والتفاهمات التي قد تضر بمصلحة المجتمع في العمق. فالكثير من المسؤولين المحليين، سواء كانوا في منصب الباشوية أو في أدوار إدارية أخرى، يتحولون إلى “باعه ضمائر” يسعون وراء الثراء السريع، مستغلين طاعة أعوان السلطة وسذاجة بعض الفئات التي تغرق في المعارك الانتخابية، غير مدركين أن هذه الوعود قد تكون سمومًا تقضي على مصلحة الوطن.
التورط في الأعمال غير القانونية
وفي ظل هذه الظروف، يصبح الارتشاء واستخدام المناصب الإدارية للابتزاز أسهل من أي وقت مضى. يتخذ هؤلاء الموظفون السامون من وضعهم فرصة لتنفيذ صفقات غير قانونية تحت جنح الظلام، حيث يجدون ساحة خصبة في قطاع الأعمال، خاصة بين المقاولين وأصحاب الرساميل الذين يبحثون عن تسهيلات أو تقارير إدارية أو حتى مراسيم سلطوية قد تفتح لها أبوابًا مغلقة.
كيف يشتغل جهاز الدولة على تسهيل هذا الفساد؟
بعض العاملين في هذه المناصب، الذين من المفترض أن يكونوا في خدمة المواطنين، يتحولون إلى أدوات في أيدي من يبحثون عن تحقيق مصالحهم الخاصة على حساب القانون. وهنا تكمن المعضلة الكبرى: كيف يمكن لنظام سلطوي أن يضمن محاسبة هؤلاء إذا كانوا أنفسهم جزءاً من بنية الفساد؟ كيف يمكن أن يتم محاسبة هؤلاء الموظفين الذين يتحركون دون رقيب في ظل وجود غطاء سياسي يسمح لهم بالاستمرار في ممارساتهم غير القانونية؟
الخلاصة: الحاجة إلى محاسبة جادة
من الضروري أن تركز الحوارات الوطنية على إيجاد حلول حقيقية لهذه الظاهرة، من خلال تعزيز الرقابة المستقلة على الأجهزة المحلية وتفعيل قوانين مكافحة الفساد بشكل صارم. فكلما تم السكوت عن هذه الممارسات، كلما تعززت جذور الفساد وأصبح من الصعب اقتلاعه. لدينا اليوم فرصة حقيقية للحد من هذه الظواهر، لكن الطريق إلى ذلك يتطلب شجاعة سياسية وجدية في المحاسبة.