مجتمع

بين الأمس واليوم: العلاقة بين المواطن والإدارة المغربية

دابا ماروك

لطالما كانت العلاقة بين المواطن المغربي والإدارة متوترة ومشحونة بعدم الثقة والرضا. هذه العلاقة، التي ترسخت في سياق تاريخي وسياسي معقد، لم تكن مجرد مشكلة تقنية أو تنظيمية، بل انعكاسًا لنظرة متجذرة في عقلية السلطة والتعامل مع المواطن كمتلقٍ سلبي للخدمات.

الإدارة المغربية في زمن القهر

في الماضي، كان المواطن المغربي يدخل المرافق العمومية وهو يحمل في نفسه شعورًا بالرهبة، وكأنه مقبل على محاكمة لا إنجاز وثيقة بسيطة. شهادة السكنى، على سبيل المثال، كانت رحلة محفوفة بالإهانات، تبدأ من الاستيقاظ المبكر والوقوف في طوابير طويلة، ولا تنتهي إلا بعد المرور بسلسلة من التعقيدات البيروقراطية.

أما في المناطق القروية، فقد كانت صورة الدركي أو رجل السلطة تبدو شبه مقدسة، إذ كان ينظر إليه كصاحب قوة خارقة ومعرفة شاملة، تفوق حتى تلك التي يمتلكها الطبيب أو المهندس. هذه الصورة النمطية عززتها سياسات القمع والاستبداد التي تركها المستعمر الفرنسي، حيث تم تكريس الفجوة بين السلطة والمواطن عبر وضع حواجز إسمنتية وخشبية في المكاتب الرسمية، تعكس حرفيًا وجوهريًا المسافة بين الطرفين.

في المحاكم، كان المتقاضي يواجه سلوكيات تُشعره بأنه مذنب حتى قبل بدء الجلسة. رئيس الجلسة كان يمنع الحركات الطبيعية، وكأن في ذلك تهديدًا لهيبة المحكمة. هذه الممارسات كانت تغذي شعور الكراهية تجاه الإدارة وتجعل المواطن يشعر بالغربة داخل وطنه.

إرث الاستعمار وتأثيره النفسي

لم يكن القمع الإداري في المغرب وليد اللحظة، بل امتدادًا لسياسة المستعمر الفرنسي، الذي عمد إلى خلق حاجز نفسي بين الإدارة والمواطنين. الحواجز الإسمنتية والخشبية التي وضعت في المؤسسات، لم تكن مجرد وسائل تنظيمية، بل أدوات رمزية لعزل السلطة عن الشعب وإظهار التفوق.

هذه السياسات تركت أثرًا نفسيًا عميقًا لدى المغاربة، حيث ترسخت صورة السلطة كمصدر قهر بدلًا من خدمة. وحتى بعد الاستقلال، استمر هذا الإرث في الممارسات اليومية للإدارة، ما أدى إلى تآكل ثقة المواطن في مؤسساته.

الواقع الإداري في الزمن القريب

حتى في العقود الأخيرة، ظلت الإدارة تعاني من نفس العقلية البيروقراطية. الموظف البسيط، مثل “الشاوش”، كان يمارس دورًا سلطويًا، حيث يطلب من المواطنين الانتظار لساعات دون مبرر واضح، بينما ينشغل في أمور شخصية لا علاقة لها بعمله. هذه الممارسات، التي قد تبدو بسيطة، كانت تعكس خللًا عميقًا في ثقافة الخدمة العمومية وأبجديات التعامل مع المواطنين.

نحو إدارة مواطنة: الحاجة إلى التغيير

رغم هذا الإرث الثقيل، بدأت بوادر التغيير تظهر في السنوات الأخيرة. مع دخول التكنولوجيا إلى المرافق العمومية واعتماد الرقمنة في العديد من الخدمات، أصبحت العلاقة بين المواطن والإدارة أقل تعقيدًا من ذي قبل.

لكن التغيير التقني وحده لا يكفي؛ فالتحدي الأكبر هو تغيير العقليات. هناك حاجة ماسة لتلقين الموظفين أبجديات التعامل مع المواطنين، بدءًا من احترام الوقت، مرورًا بتقديم الخدمة بجودة عالية، وانتهاءً بتعزيز قيم الشفافية والمساءلة.

الحل: بناء جسور الثقة

  1. التكوين والتأطير
    يجب أن يخضع الموظفون لتدريبات مستمرة في مجال التواصل والتعامل مع المواطنين، لتعزيز روح الخدمة بدلًا من السلطة.
  2. الرقابة والمساءلة
    تعزيز آليات الرقابة على المرافق العمومية لضمان تقديم الخدمة بجودة وفعالية.
  3. توعية المواطن
    من الضروري توعية المواطن بحقوقه وواجباته تجاه الإدارة، مما يساهم في خلق علاقة متوازنة تقوم على الاحترام المتبادل.
  4. تبسيط الإجراءات
    تسريع عملية الرقمنة وتبسيط الإجراءات الإدارية سيقلل من الاحتكاك المباشر بين المواطن والموظف، مما يحد من فرص وقوع التجاوزات.

خاتمة: من القطيعة إلى المصالحة

الإدارة المغربية، التي كانت يومًا رمزًا للقهر والتعقيد، لديها فرصة تاريخية لإعادة بناء علاقتها مع المواطن. المصالحة الحقيقية لن تتحقق إلا بتغيير عميق في العقليات والممارسات، وتحويل الإدارة إلى أداة لخدمة المواطن وتعزيز ثقته في مؤسساته. يوم يضع الموظف نفسه في مكان المواطن، ويشعر المواطن بأنه يُعامل بكرامة واحترام، سيصبح الحلم بإدارة مواطنة واقعًا ملموسًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى