جمعيات تحارب “التهميش المالي”: دعم حكومي أم “حُب من طرف واحد”؟
دابا ماروك
يا لها من سنة عجفاء مرت على جمعيات المجتمع المدني، تلك التي تناضل من أجل “قفة رمضان” أو “محفظة يتيم”، لكنها بدل أن تجد الدعم، وُضعت أمام أبواب موصدة وأسئلة لا تنتهي عن شفافية ومصداقية توزيع المليارات الموعودة.
12 مليار درهم: حلم يتحول إلى كابوس!
وقف مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، اليوم الاثنين بابتسامة واثقة أمام نواب الأمة ليعلن أن الدعم العمومي المخصص للجمعيات بلغ 12 مليار درهم. لكن، هل وصل هذا الرقم الخيالي إلى الجمعيات الصغيرة التي تعمل تحت شعار: “لا يُمكننا تغيير العالم، لكننا نحاول”؟ بالطبع لا! فالجمعيات الكبرى، تلك التي تعرف طريقها إلى “المنفعة العامة” بسلاسة، تلتهم نصيب الأسد، بينما تُترك الجمعيات الأخرى تتوسل “عطف” القطاع الخاص.
المرسوم المُنتظر: هل ستُضبط الأمور أم ستزداد تعقيدًا؟
بايتاس بشّر الحاضرين بمرسوم جديد سيُنظم الدعم العمومي، متوعدًا بمحاربة الريع السياسي والفكري. يا لها من مفارقة! فبينما يستبشر البعض بقوانين جديدة، يراها آخرون مجرد مسكنات تُضاف إلى رفوف “الأرشيف”. ووسط هذه الحماسة التشريعية، لا تزال الجمعيات في القرى والهامش تُحاصرها الملفات البيروقراطية والمحاباة.
“الريع السياسي” ومسرح النقد البرلماني
النائب مصطفى الشنتوف، في أداء مُثير للإعجاب، استغل الجلسة ليُطلق مدفعيته الثقيلة على ما سماه “الريع السياسي” الذي يلتهم دعم الجمعيات. أكد أن دعم الجمعيات، بدل أن يكون وسيلة لتعزيز المجتمع المدني، تحول إلى ساحة تجاذب سياسي حيث توزع الأموال وكأنها هبات شخصية!
ماذا عن الجمعيات في القرى؟
في خضم هذا الصخب، وقف نائب معارض ليُذكّر بأن الجمعيات في المدن الكبرى تعيش على “نعيم” الدعم الحكومي، بينما تُركت الجمعيات الناشطة في القرى وفي بعض المدن الصعرى، حيث التعليم والصحة شبه معدومين، تكافح وحيدة. وكم كانت صدمته كبيرة حين استعرض تقرير المجلس الأعلى للحسابات الذي كشف اختلالات بالجملة، من ضعف الشفافية إلى تهميش المناطق النائية.
الواقع المُرّ: “النية موجودة، لكن الطريق طويل“
لا يخفى على أحد أن النوايا الحكومية حسنة، ولكن كما يُقال: “الطريق إلى الجحيم مفروش بالنوايا الحسنة”. فماذا يفيد دعم بالمليارات إن كان مصحوبًا بغياب رؤية واضحة وعدالة في التوزيع؟ لقد أصبح دعم الجمعيات أشبه بمسابقة “لعبة الكراسي”؛ من يصل أولاً يحصل على النصيب الأكبر، والباقون يظلون واقفين بانتظار جولة جديدة.
الحل: شفافية أم فوضى منظمة؟
الجمعيات لا تحتاج فقط إلى وعود بالمليارات أو قوانين جديدة، بل إلى آليات فعالة تضمن التوزيع العادل. من الضروري إنشاء منصة رقمية تُسجل فيها كل المعطيات المتعلقة بالدعم، بدءًا من المعايير، وصولاً إلى أسماء الجمعيات المستفيدة، مع تمكين الجمعيات المحرومة من حق الاعتراض والمساءلة.
ختامًا: متى تتحقق العدالة؟
يبدو أن الجمعيات المغربية، خاصة تلك الصغيرة التي تُعاني في صمت، عليها الانتظار طويلاً لتنال نصيبها من “كعكة” الدعم العمومي. وبينما الحكومة تُسابق الزمن لإعداد مرسومها المُرتقب، يبقى السؤال: هل سيُغير هذا المرسوم من واقع جمعيات “الأطراف المنسية”؟ أم ستظل تلك الجمعيات تُحارب وحدها من أجل “المنفعة العامة” التي لم تحصل عليها يومًا؟