قانون الجرائم الإلكترونية: من حماية البيانات إلى مطاردة الظلال الرقمية
دابا ماروك
في المغرب، كما هو الحال في معظم بقاع العالم، لا يمر يوم دون أن نسمع عن تحدٍ جديد في الفضاء الرقمي، حيث تتحول البيانات الشخصية إلى “غنائم” يتصارع عليها القراصنة، ويتنقل الابتزاز الإلكتروني بين الضحايا كفيروس لا دواء له. كل ذلك تحت مظلة قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، الذي يكافح ببسالة، ولكنه أحيانًا يبدو وكأنه يحارب طواحين الهواء.
أولاً: حماية البيانات الشخصية… أو “كيف لا تكون آمنًا في عالم رقمي“
ينص القانون رقم 09-08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي على ضرورة موافقة المواطن على معالجة بياناته. لكن السؤال الحقيقي: هل يعرف المواطن أصلاً أن بياناته تُعالج؟ أم أن “الموافقة” غالباً ما تكون مخبأة في نصوص قانونية مطولة لا يقرأها أحد، حتى من كتبها؟
في حين يفترض بالقانون حماية البيانات الشخصية، يواجه عدة تحديات:
- التطبيق البطيء: نصوص القانون تسير بسرعة الحلزون، بينما التكنولوجيا تسبقها بسرعة الضوء.
- ضعف الوعي: الكثير من المواطنين يعتقدون أن “VPN” هو اسم مطعم جديد، وليس وسيلة لحماية الخصوصية.
وفي ظل غياب تفعيل جاد للقانون، تبدو البيانات الشخصية كـ”كنز مهجور”، متاحة لكل من يريد التجسس أو سرقتها.
ثانيًا: الابتزاز الإلكتروني… حين يصبح الهاتف صندوق باندورا
ننتقل إلى الكابوس الأكبر: الابتزاز الإلكتروني. سواء كان عن طريق اختراق حسابات التواصل الاجتماعي، أو تسجيل محادثات “حميمية”، أو حتى نشر صور خاصة، يزداد هذا النوع من الجرائم بشكل مثير للرعب.
القانون الجنائي المغربي، في الفصل 447-2، يعاقب على الابتزاز الإلكتروني بعقوبات تصل إلى 5 سنوات وغرامات مالية تصل إلى 5000 درهم. لكن القراصنة لديهم أسلوب آخر:
- “ادفع أو أخسر سمعتك”، والضحية غالباً ما تختار الدفع بصمت.
- ولأن التبليغ يتطلب مساطر قانونية طويلة، يُفضل البعض الاستسلام على الدخول في متاهة المحاكم.
وفي الوقت الذي تقوم فيه السلطات بمحاولات جدية لمكافحة هذه الظاهرة، يظل السؤال مطروحًا:
كيف يمكن لقانون يركض أن يمسك بمجرمين يقفزون بين الأجهزة بسرعة الضوء؟
ثالثًا: تنظيم منصات التواصل الاجتماعي… رقابة أم “حرية بنكهة مشروطة”؟
منصات التواصل الاجتماعي أصبحت الساحة الجديدة لكل شيء: الحب، الكراهية، الحرية، والجرائم. ومع ذلك، يظل التوازن بين حرية التعبير والرقابة القانونية بمثابة السير على حبل مشدود.
ينص الدستور المغربي في الفصل 25 على أن “حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها”، لكن ماذا عن السب والشتم والقذف؟
- تنص المادة 72 من قانون الصحافة والنشر على معاقبة نشر الأخبار الزائفة، ولكن من يحدد “الزيف”؟
- ومن يراقب مراقبي المحتوى أنفسهم؟
في ظل هذا الغموض، تتحول منصات التواصل إلى “غابة رقمية”، حيث تُرفع شعارات الحرية في وجه القانون، وكأن “حرية التعبير” تعني الحق في تدمير سمعة الآخرين.
التحديات القانونية: عندما يتحدث القانون لغة العصر الحجري
التحديات الرئيسية التي تواجه قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية في المغرب تشمل:
- غياب الكفاءة التكنولوجية لدى بعض الجهات المسؤولة: التكنولوجيا ليست لغة الجميع، وأحيانًا يبدو أن مطوري القانون قد كتبوه باستخدام حاسوب “ويندوز 95”.
- تأخر التحديث القانوني: الجرائم الرقمية تتطور بوتيرة أسرع من النصوص القانونية، التي تحتاج لسنوات من المناقشات قبل أن تُصبح فعالة.
- التنسيق الدولي: القراصنة لا يعترفون بالحدود، والقانون المغربي يحتاج إلى تعاون دولي لملاحقة مجرمي الإنترنت عبر القارات.
الحلول المرتقبة: هل سيقف القانون في وجه القراصنة؟
إذا أردنا الحديث عن المستقبل، فالحلول تبدو ممكنة، ولكنها تحتاج إلى “إرادة رقمية” حقيقية:
- تعزيز التوعية الرقمية: على المواطن أن يعرف حقوقه وطرق حماية نفسه.
- إنشاء شرطة رقمية متطورة: فريق تقني متخصص يواكب أحدث أساليب مكافحة الجرائم الإلكترونية.
- تحديث النصوص القانونية باستمرار: النصوص القديمة تعني حلولًا بالية، والقانون يجب أن يكون مرنًا وسريع الاستجابة.
الخاتمة: قانون أم كتيب إرشادي؟
قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية في المغرب يمثل خطوة مهمة، لكنه أشبه بمصارع يدخل الحلبة متأخرًا، ليجد خصمه قد فاز بالفعل. وبين حماية البيانات، مكافحة الابتزاز، وتنظيم الحرية الرقمية، يبقى التحدي الأكبر: كيف نحمي المواطن في عالم رقمي لا يعرف الرحمة؟