ظاهرة الكلاب الضالة بالمغرب: حينما تتحول مدننا إلى مسارح مفتوحة للركض خلف العظام
دابا ماروك
إن الحديث عن ظاهرة الكلاب الضالة في المغرب أصبح ضرورة ملحة وليس رفاهية، خاصة في ظل المشهد السريالي الذي تعيشه مدننا هذه الأيام. فقد انتشرت الكلاب الضالة كما تنتشر الأعشاب الضارة في الحقول، في سباق محموم مع الزمن لتحويل الشوارع والساحات إلى ملاعب مفتوحة للمطاردات بين البشر والكلاب.
لا يمكن للزائر اليوم أن يجوب أحياء المدن المغربية دون أن يجد نفسه محاطًا بزمرة من الكلاب الضالة التي تتقافز هنا وهناك. مشهد يليق بأفلام الرعب الهوليوودية، لكنه بات جزءًا من الواقع المغربي الذي يبدو أنه يقبل دائمًا بأدوار الكومبارس في أي أزمة.
مدن تحت حصار الكلاب الضالة
مدينة القنيطرة، على سبيل المثال، أصبحت حديث الصحافة بعد أن سجلت أكثر من 500 حالة اعتداء من الكلاب الضالة في ظرف شهرين فقط. وكأن الكلاب دخلت في مسابقة لعدد الضحايا مع القطارات المتأخرة أو الحفر العميقة التي تزين شوارعنا. الغريب أن هذا الرقم ليس سوى غيض من فيض، فهناك مدن أخرى تسجل أرقامًا مذهلة لا تذاع كي لا ينفجر الشارع بضحكة جماعية على هذا الوضع العبثي.
وما يزيد الطين بلة أن الحلول المطروحة تبدو وكأنها من بنات أفكار صناع الرسوم المتحركة. فبدلاً من تنظيم حملات فعالة ومدروسة، نجد أن بعض الجماعات المحلية تخصص ميزانيات لمحاربة “الفيلة”، وكأن الفيلة تجوب الشوارع بأنيابها، بينما الكلاب تعقد مؤتمرات لمناقشة مستقبلها في المدينة.
سلامة المواطن… شعار مهمل؟
في بلد يضع سلامة المواطن على رأس أولوياته (على الأقل نظريًا)، تبدو مشكلة الكلاب الضالة كاختبار حقيقي لمدى جدية هذه الأولويات. كيف يمكن تفسير أن تجد مواطنين يُهاجمون في وضح النهار من كلاب طليقة بينما يصرخ المسؤولون بأن “الوضع تحت السيطرة”؟
هل سيُقنع هذا الشعار السياح الذين سيأتون لحضور كأس العالم؟ أم أننا سنحتاج إلى إرسال كتيبة خاصة لإجلاء اللاعبين والجماهير إذا قررت الكلاب إقامة حفل استقبال على طريقتها الخاصة؟
محاربة الكلاب أم محاربة الفيلة؟
الغريب أن بعض الجماعات المحلية التي يرأسها أشخاص مشبوهون تخصص ميزانيات لمشاريع غريبة، قد تشمل تنظيف الكواكب المجاورة أو محاربة الفيلة الوهمية، بينما الكلاب تجول بكل أريحية في الأزقة. هل هذه استراتيجيات إبداعية أم أنها مجرد وسيلة لإخفاء سوء التدبير؟
عندما يتحول الترييف إلى أسلوب حياة
إن الظاهرة لا تقتصر فقط على الجانب الأمني، بل تشمل أيضًا الترييف الممنهج للمدن. ما نراه اليوم هو أن الكلاب الضالة أصبحت جزءًا من النسيج الحضري، تشارك السكان الأرصفة والمساحات الخضراء، وتنافس الأطفال في الحدائق العامة على أماكن اللعب.
لكن يبدو أن البعض يرى في هذه الظاهرة “طابعًا سياحيًا”، فبدلاً من أن تُعرف مدننا بنظافتها وجمالها، أصبحت تعرف بكثرة الكلاب التي تتجول فيها. وربما يُفكر المسؤولون في تحويل هذه الظاهرة إلى فرصة اقتصادية من خلال تنظيم جولات سياحية تحت شعار: “تعال وشاهد الكلاب الضالة قبل أن تصبح ذكرى!”.
ما الحل؟
الحل يبدو بسيطًا لكنه يتطلب إرادة حقيقية. يجب أن تتحرك الجماعات المحلية بجدية لمحاربة هذه الظاهرة من خلال حملات فعالة تشمل:
- جمع الكلاب وإعادة تأهيلها: بدلًا من تركها في الشوارع، يمكن بناء مراكز إيواء تقدم الرعاية لهذه الكائنات.
- الوقاية الصحية: يجب تلقيح الكلاب الضالة ضد الأمراض المعدية لتجنب انتشار الأمراض بين البشر والحيوانات.
- الرقابة المركزية: من الضروري مراقبة الجماعات المحلية وضمان تخصيص الميزانيات بشكل شفاف وفعال.
كلمة أخيرة
في نهاية المطاف، يظل الوضع الحالي انعكاسًا مباشرًا لسياسات عشوائية تنخر جسد مدننا. وإذا كنا حقًا نسعى لاستقبال العالم بمظهر مشرف خلال كأس العالم، فإننا بحاجة إلى تغيير جذري يبدأ من تنظيف الشوارع، ليس فقط من الكلاب الضالة، ولكن أيضًا من كل مظاهر سوء التدبير التي تجعلنا نبدو وكأننا نعيش في حديقة حيوانات كبيرة، أبطالها المسؤولون.
رسالة إلى المسؤولين:
إذا كانت الكلاب قد وجدت في مدننا مكانًا آمنًا، فهذا لأنكم فشلتم في تسييرها. وربما تحتاجون أنتم أيضًا إلى إعادة تأهيل، تمامًا مثل تلك الكلاب.