غابة البشر: حيث يفترس المال والنفوذ أكثر من الأنياب والمخالب
دابا ماروك
في الغابة، تسود قوانين بسيطة وغير قابلة للنقاش: المفترس يأكل الضعيف، وكل مخلوق يعرف مكانه في السلسلة الغذائية. لا أحد يعترض على “حقوق الغزال”، والأسد لا يحتاج إلى إذن ليقضي غداءه على أحد سكان السافانا. النمور والضباع، رغم تنافسها، تتفق على شيء واحد: الطعام رزق والقوة طريق إليه.
أما في البحر، فالأمور أكثر أناقة، أو بالأحرى أكثر انسيابية. الأسماك الكبيرة تجوب المحيطات كملوك لا يتنازلون، تلتهم الصغيرة بلا رحمة. لا وجود للنقاشات عن “توزيع الموارد البحرية بالتساوي”، فقط صراع مفتوح تحت الأمواج، حيث كل حجم يعرف دوره: إما مهاجم أو فريسة.
وعلى الأرض… آه، هنا تبدأ الكوميديا البشرية. البشر، عباقرة الطبيعة في التلاعب بقوانينها، لديهم أسلوب خاص بهم في تطبيق قاعدة “القوي يأكل الضعيف”. لا أحد يطارد أحدًا في الغابة أو البحر، بل تُدار اللعبة خلف مكاتب فخمة وفي اجتماعات يُطلق عليها اسم “فرص استثمارية”.
البشر يفضلون الالتهام التدريجي. القوي يستخدم المال كطُعم، والنفوذ كشبكة. يبدأ الأمر بفكرة بسيطة: قرض بفائدة غير معقولة، عقد مليء بالشروط التي تحتاج لفريق من المحامين لفهمها، أو ببساطة عبر الاحتكار الذي يحول الضعفاء إلى متفرجين على مشهد انهيارهم البطيء. وفي النهاية، يُلام الضعيف على فشله: “كان عليك أن تتعلم التخطيط المالي”، أو الجملة الشهيرة: “من جد وجد!”
البشر لديهم مهارة مدهشة في تحويل الظلم إلى “نظام”. يُقال للضعيف إن العدالة موجودة، لكنها تعمل بنظام الانتظار، تمامًا كخدمة الزبناء، حيث صوت آلي يخبرك: “سيتم الرد عليك قريبًا”. والقوي؟ هو المسؤول عن هذا النظام، يجلس مرتاحًا في مكتب يطل على المدينة، يُلقي دروسًا في التنمية البشرية، وكأنه لم يكن السبب في استنزافها من الأساس.
وفي النهاية، البشر أكثر قسوة من الغابة والبحر. الأسد يقتل ليأكل، والسمكة الكبيرة تبتلع لتعيش. أما البشر، فيبتلعون بعضهم البعض تحت شعارات مثل “التطور”، و”الرأسمالية”، و”القانون”. وعلى عكس باقي المخلوقات، يستمتعون بهذا النوع من الافتراس، ثم يكتبون عنه كأنه بطولة!