بين الماضي والحاضر: قصة المستشفى الإسباني في طنجة
دابا ماروك
في خطوة تكاد تكون خيالية، قررت الحكومة الإسبانية تحت قيادة بيدرو سانشيز أن “تعيد الحياة” للمستشفى الإسباني في طنجة، الذي يبدو أنه نجا من الزمن بفضل صمود جدرانه أكثر من أي مشروع حكومي. المبلغ الذي تم تخصيصه لهذه المهمة البطولية حدد في غلاف 2.6 مليون يورو. نعم، لأن ترميم بناء يعود إلى عهد فرانكو يتطلب استثمارًا ضخمًا لا يُصدق! لماذا؟ لأنه بالطبع ليس مجرد مبنى قديم، بل هو شاهدة على تاريخ طويل من التعاون بين إسبانيا والمغرب… ومن يدري؟ ربما سيعود ليصبح مركزًا لاحتضان التاريخ… أو على الأقل التاريخ الإسباني.
القصة تبدأ عام 1939، حين قرر المفوض السامي الإسباني في المغرب آنذاك، خوان لويس بيجبيدر، أن يضع حجر الأساس لهذا المعلم التاريخي. بالطبع، لم يكن مجرد مستشفى عادي، بل كان مشروعًا ضخمًا، يستهدف “خدمة” الأوروبيين في طنجة حين كانت مدينة دولية. وبفضل التصميم الفاخر من المهندس خوسيه أوتشوا إي بينجوميا، تحول المبنى إلى تحفة معمارية… حتى عام 1950، حيث استكمل العمل وبدأت الجدران تشهد على سنوات من التأريخ.
لكن، مع مرور الزمن (والاستقلال المغربي، بالطبع)، بدأ عدد السكان الإسبان في التناقص، وبدأ المستشفى يعاني من “تراجع طفيف” في الاستخدام. لحسن الحظ، وجد المبنى دورًا جديدًا في رعاية كبار السن منذ عام 1996. وإذا لم يكن هذا تذكيرًا كافيًا بالوقت الذي مر عليه، فإن حالة المبنى التي أصبحت “تدهورًا هيكليًا خطيرًا” بسبب مرور عقود من الزمن دون ترميمات حقيقية، قد تكون أول شيء يلفت انتباهك إذا زرت المكان اليوم.
المشروع الجديد يشمل هدم الجناح الجنوبي (حيث كان من المفترض أن تجري معظم العمليات الطبية الحديثة، لو أن المستشفى لم يتأخر قليلاً في الانضمام إلى العصر الحديث) وتزويد المبنى بتدابير أمنية حديثة لمواجهة التهديدات الزلزالية، لأن طنجة، كما نعلم، منطقة معرضة للهزات الأرضية. ولكن لا تقلقوا، فالمشروع الذي يمتد على 18 شهرًا سيمضي قُدمًا، والشركة المكلفة بالعمل هي شركة “GTS Electrónica SL” (والتي تبدو متخصصة في الأمور التي لا علاقة لها بالصحة بشكل عام).
من جانب آخر، لا يمكننا أن ننسى أن المستشفى في السنوات الأخيرة قد أصبح مسرحًا للفعاليات الثقافية، مثل الحفلات الموسيقية الخيرية، التي يبدو أنها تشكل جزءًا من خطة لتغطية الجوانب الاجتماعية للمستشفى. وفي مارس الماضي، قام السفير الإسباني لدى المغرب، إنريكي أوخيدا، بزيارة رسمية، مشيدًا بالدور “الاجتماعي” الكبير للمستشفى. رائع، أليس كذلك؟ فحتى لو كانت الجدران متهالكة، على الأقل هناك موسيقى!
وبهذا التمويل الضخم، تتطلع الحكومة الإسبانية إلى استعادة هذا المعلم الثقافي ليعود إلى دوره التاريخي، مع ضمان أن يبقى آمنًا ويخدم “الاحتياجات العصرية” – مع التأكيد بالطبع على أن السلامة ستكون الأولوية. لكن هل سيستطيع هذا المشروع أن يُعيد البريق إلى المستشفى، أم أنه سيكون مجرد رماد في التاريخ؟ فقط الوقت سيخبرنا.