مجتمع

المخزن العظيم وجمهورية العلاقات المشوية!

دابا ماروك

يبدو أن المخزن المغربي قد قرر أن يلعب دور الطاهي الماهر في مطبخ العلاقات الإنسانية، حيث لم يترك أحداً إلا و”تبل” قناعاته وحمّره على نار هادئة. طهاة المخزن، بقبعاتهم المخملية وسكاكينهم “السياسية”، أعدّوا وجبة متنوعة تشمل كل الأطياف: منظمات محاربة الرشوة، أشباه اليساريين الذين نسوا أين وضعوا كتبهم الحمراء، وأخيراً، ذلك الشعب الذي، بقدرة قادر، أصبح أشبه بشواء شعبي يأكل فيه الجميع لحم بعضهم البعض.

أشباه المناضلين: طواحين الهواء

لا يمكن أن نتحدث عن هذا “الشواء” دون المرور على المنظمات غير الحكومية التي تحارب الرشوة. كيف تحاربها؟ الله أعلم! ربما بملفات مصنوعة أو استراتيجيات مكتوبة على منديل قهوة في مقهى بجوار البرلمان. هؤلاء “المناضلون” يتمتعون بمهارات استثنائية في ركوب الموجة، حتى إنهم يطالبون بالشفافية بينما لا تجد شفافية في تمويلاتهم إلا في تقارير الصحافة الصفراء.

اليسار بين البراريك والمكاتب المكيفة

أما “الرفاق” فقد أصابتهم لوثة الحداثة، إذ تحولوا من شعراء ينشدون عن العمال والفلاحين إلى موظفين مريحين في مكاتب مكيفة. شعارهم الجديد: “من النضال إلى النعناع”! نعم، لقد انتهت حقبة التظاهرات العنيفة في الأحياء المناضلة، وحل محلها “تويتر” و”فيسبوك”، حيث يناضلون بـ”الهاشتاغ” ويثورون بالرموز التعبيرية.

الشعب المشوي: علاقتنا الإنسانية على الفحم

وماذا عن الشعب؟ هنا يكمن اللغز. يبدو أن الشعب المغربي قرر الانضمام إلى قائمة الطهاة، ولكن بدلاً من تقطيع البصل، شرع في تقطيع نفسه! أصبحت العلاقات الإنسانية أشبه بحفلة شواء جماعية، كل واحد يلتهم الآخر تحت ذريعة “هذا حقي!” أو “ذاك باغي يدوّزني!”. الجار يختلس النظر إلى رغيفك، والصديق يخطط لكيفية سرقة وظيفتك، وحتى القريب يتحول إلى مفترس اجتماعي.

الحكومة: الكومبارس المحترف

وسط هذا العبث، تقف الحكومة في موقع المتفرج، أو بالأحرى الكومبارس المحترف. وظيفتها إلقاء خطابات توحي بأنها قادمة من عالم آخر، عالم لا يعرف الرشوة، ولا “التدويرة”، ولا العلاقات الإنسانية القائمة على “المصلحة فوق كل شيء”. وبينما تتحدث عن الشفافية والتنمية البشرية، الشعب يستمتع بمشاهدة مباراة “من يأكل الآخر أولاً؟”.

ماذا بعد؟

الحقيقة أن هذه الحالة ليست حكراً على المغرب وحده، ولكن هنا نجد نكهة فريدة: المخزن، بأدواته العتيقة والحديثة، استطاع أن يجعل الجميع يشعر وكأنه في مسرحية عبثية. الشعب هو الممثل الرئيسي، لكنه لا يدري هل هو الضحية أم الجلاد.

الخاتمة: طريق الإصلاح مسدود؟

ربما ما نحتاجه فعلاً هو هدنة جماعية: أن يجلس المخزن والمنظمات والأشباه والأعداء على طاولة واحدة، دون سكاكين أو شوك. فقط أطباق فارغة وكؤوس شفافة، ليكتشف الجميع أن اللحم الذي كانوا يأكلونه طوال الوقت… كان لحم بعضهم البعض.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى