فن وثقافة

الروبيو: ذاكرة حية لأدب الشارع الرباطي

دابا ماروك

في قلب العاصمة المغربية الرباط، وسط صخب شارع محمد الخامس، تتجلى حكاية تستحق التوقف عندها طويلاً: “الروبيو”. ذلك الاسم الذي صار جزءاً لا يتجزأ من ذاكرة المدينة. بائع الصحف والمجلات، الذي لا يشبه الآخرين، ليس فقط لأنه أشقر البشرة، بل لأنه يحمل روحاً ثقافية تجمع بين المعرفة الشعبية والعلمية، جعلت منه أكثر من مجرد بائع كتب؛ بل معلماً من معالم الرباط.

الرجل خلف اللقب

“محماد المرضى”، المعروف باسم “الروبيو”، بلغ عامه السادس والستين، ولكن حيويته ونشاطه يوحيان بعمر أصغر بكثير. منذ عام 1986، افتتح كشكه بمحاذاة مقهى باليما الشهيرة وقبالة مجلس النواب، ليصبح ذلك الموقع مركزاً للثقافة والنقاشات الحية. لم يكن كشك الروبيو مجرد مكان تُباع فيه الصحف، بل مساحة حوار يومية، تجمع بين مختلف فئات المجتمع من مثقفين، صحفيين، سياسيين، وحتى عابري السبيل.

كشك.. أم مكتبة شعبية؟

إذا مررت بالكشك، ستجد نفسك أمام كنز متنوع: الجرائد اليومية والمجلات العالمية، الكتب القديمة والحديثة، وحتى المجلات المتخصصة التي لا تتوفر بسهولة. كل ذلك يجعل كشك الروبيو أشبه بمكتبة صغيرة على رصيف الشارع. يتردد عليه الباحثون عن العناوين النادرة، أو من يستهويهم النقاش حول قضايا الساعة.

ثقافة وتاريخ بين يديه

الروبيو ليس بائعاً عادياً، بل قارئ شغوف. إنه يستثمر وقت فراغه في القراءة، مطالعاً كل جديد يصله، متابعاً للأحداث، ومهتماً بالقضايا السياسية والاجتماعية. ومن خلال حواراته مع الزبائن، أصبح ليس فقط شاهداً على تطورات المجتمع المغربي، بل أيضاً مشاركاً فاعلاً فيها.

شاهد على الزمن

يُعد الروبيو ذاكرة حية للرباط ومجتمعها. فعلى مدى عقود، رأى تحول المدينة في وجوه المارة، في عناوين الصحف، وفي اهتمامات الناس. رأى فترات الانفتاح الثقافي، وأوقات الانغلاق، وأزمات السياسة والاقتصاد. رأى تراجع الصحافة الورقية أمام المد الرقمي، لكنه بقي صامداً كرمز للصحافة الورقية وروحها، يُعيد لزبائنه دفء الأيام التي كانت فيها الصحيفة جزءاً من طقوس الصباح.

تحديات وحياة يومية

لم تكن حياة الروبيو سهلة. على الرغم من شهرة كشكه ومكانته، فإنه يواجه نفس التحديات التي تواجه أي بائع صحف اليوم: تناقص الطلب، ارتفاع تكاليف المعيشة، وتهديد التكنولوجيا الرقمية التي غيرت عادات القراءة. لكنه يواجه كل ذلك بابتسامة وصبر، وبإيمان بدوره الذي يتجاوز البيع، ليصبح حلقة وصل بين الأجيال، وبين المعرفة وروادها.

الروبيو: أكثر من شخصية

ما يجعل الروبيو فريداً من نوعه هو أنه ليس مجرد بائع، بل رمز ثقافي. إنه يجسد فكرة أن المعرفة ليست محصورة بين جدران المكتبات، بل يمكن أن توجد على رصيف شارع، في كشك بسيط، وفي يد شخص يؤمن بأن الكتب والصحف والمجلات يمكنها أن تُغيّر العالم، ولو قليلاً.

الرباط والروبيو: علاقة لا تنفصم

إذا أردت أن تفهم الرباط بعمق، فما عليك إلا زيارة شارع محمد الخامس والحديث مع الروبيو. ستجد في كلماته وحكاياته عالماً مليئاً بالتفاصيل، من ذكرياته مع الصحفيين والمثقفين الذين عبروا كشكه، إلى رؤيته لمستقبل الصحافة الورقية في ظل العصر الرقمي.

الروبيو ليس فقط كشكاً، إنه قصة حيّة، دليل على أن شغف المعرفة يمكن أن يجد مكانه حتى في أبسط الأماكن. إنه يمثل الروح الثقافية للرباط، بل ربما للمغرب بأسره، بكل ما تحمله من أصالة وتحدٍ وتجديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى