مجتمع

قضية الأطفال غير الموثقين في المغرب: تحديات قانونية واجتماعية

دابا ماروك

في زوايا المجتمع المغربي، توجد قضية مسكوت عنها تحمل في طياتها تحديات اجتماعية وأخلاقية خطيرة: الأطفال غير الموثقين، أو ما يُعرف شعبيًا بـ”الأطفال بلا هوية”. هؤلاء الأطفال يعيشون على هامش النظام القانوني والاجتماعي، ما يعرضهم لحرمان مزدوج: من الحقوق الأساسية ومن فرصة الاندماج في المجتمع

جذور المشكلة:

  1. الولادات خارج مؤسسة الزواج: يُشكل الأطفال المولودون خارج إطار الزواج نسبة كبيرة من الحالات. وصمة العار المرتبطة بهذه الولادات تُجبر الأمهات أحيانًا على إخفاء أطفالهن عن السجلات الرسمية.
  2. التهميش الجغرافي: في المناطق القروية والنائية، تعاني العائلات من ضعف الوعي بأهمية تسجيل الولادات، فضلًا عن صعوبات التنقل للوصول إلى المكاتب المختصة.
  3. ضعف الإجراءات الإدارية: يواجه بعض المواطنين تعقيدات بيروقراطية في تسجيل أبنائهم، خاصة في الحالات التي يفتقر فيها الآباء إلى وثائق ثبوتية أو زواج موثق.

التبعات الاجتماعية:

  1. الحرمان من التعليم: الأطفال غير المسجلين لا يستطيعون الالتحاق بالمدارس الرسمية، ما يكرس دائرة الفقر والجهل.
  2. غياب الرعاية الصحية: بدون وثائق، يُحرم هؤلاء الأطفال من الاستفادة من خدمات الصحة العمومية، مما يجعلهم عرضة للأمراض والمخاطر الصحية.

استغلال الأطفال: غالبًا ما يصبح الأطفال غير الموثقين هدفًا للاستغلال في العمل القسري أو التسول، دون أي حماية قانونية.

نقول هذا ونؤكد أن قضية الأطفال غير الموثقين في المغرب تعد من أبرز القضايا الاجتماعية التي تثير تساؤلات قانونية وأخلاقية. رغم تقدم بعض الجهود التشريعية، لا يزال هناك الكثير من التحديات المتعلقة بالحصول على حقوق الأطفال غير الموثقين، خاصة في حالة الأمهات العازبات. في هذا السياق، شهد المغرب في نونبر 2017 قرارًا قضائيًا تاريخيًا يعكس بداية لتغيير مهم في هذا الملف.

قضية الأم العازبة وحقها في الحصول على دفتر عائلي:                                     

في 7 نونبر 2017، تقدمت أم عازبة بمقال استعجالي إلى المحكمة الابتدائية بسوق أربعاء الغرب تطلب الحصول على دفتر عائلي لابنتها، التي سجلتها في سجلات الحالة المدنية رغم أن الأب غير معروف. رغم ذلك، رفضت السلطات تسليمها الدفتر العائلي بناءً على أن القانون لا يخص الأمهات العازبات بهذا الحق. كان هذا القرار يمثل إشكالية كبيرة للأم، التي كانت بحاجة إلى الدفتر لإتمام إجراءات التجمع العائلي في القنصلية الإسبانية.

القرار القضائي:

اعتمدت المحكمة في قرارها على مدونة الأسرة التي تُقر بحق الأم في الولاية على أبنائها في غياب الأب. كما استندت إلى المادة 54 من نفس المدونة، التي تلزم الدولة بضمان حقوق الأطفال. وحكمت المحكمة بأن مصلحة الطفلة تقتضي توفير كافة الظروف لإعداد دفتر عائلي باسم الأم يتضمن كافة البيانات القانونية اللازمة.

التحديات القانونية والاجتماعية:

أدى التطبيق الحرفي للقوانين إلى حرمان الأمهات العازبات من حقهن في الحصول على دفتر عائلي. حيث كان الفصل 23 من قانون الحالة المدنية يحدد أن الدفتر العائلي يُسلم للزوج، فيما كان يُحرم الأمهات العازبات من هذا الحق، مما يعزز التمييز ضدهن. وقد أثارت بعض الجمعيات الحقوقية النسائية هذه القضية، مطالبة بتعديل القوانين لتأخذ بعين الاعتبار حقوق الأمهات العازبات في الحصول على دفتر عائلي.

خاتمة:

قرار المحكمة في نونبر 2017 يعد خطوة مهمة نحو تصحيح هذا التمييز وإقرار حقوق الأمهات العازبات وأطفالهن. لكن القضية تتطلب تحيينًا للقوانين الوطنية بما يتماشى مع مدونة الأسرة، لضمان حقوق الطفل وحمايته في جميع الظروف.

إذا كنا لسنا مع انتشار التخلف بشتى ألوانه، فإننا يجب أن نتحرك الآن نحو ضمان حق الأطفال في هوية، وهو ما يعدّ أساسًا لبناء مجتمع حديث ومتقدم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى