مجتمع

حق الإضراب: الكوميديا السوداء بحضور الوزير!

دابا ماروك

في مشهد يشبه عرضاً ساخراً على مسرح البرلمان، ظهر الوزير يونس السكوري في دور البطولة بفيلم عنوانه “لنكتب قانوناً… بلا ديباجة!”. هذا العمل الفني، الذي من الواضح أنه قد أُنتج خصيصاً لإعادة الطبقة الشغيلة إلى أيام كانوا فيها مجرد أرقام في سجلات الإقطاعيين، نجح في إثارة دهشة الجميع بمن فيهم الحضور النائمون عادة في جلسات النقاش.

الديباجة؟ الله يرحمها!

بدأ الوزير عرضه بجملة ملحمية: “القوانين التنظيمية مستمدة من الدستور مباشرة، والديباجة؟ لا، لا، تلك مجرد كماليات، ونحن هنا نحب البساطة!”. يا لها من بساطة، تلك التي يمكن أن تجعل المحكمة الدستورية تبكي من فرط التعقيد إن وجدت كلمة “ديباجة” متربعة في صدر القانون! القرار؟ إلغاء الديباجة، ولكن لا تقلقوا، سنضع مكانها “تصديراً متواضعاً” على شكل مادة أولى، فقط لكي لا تظن المحكمة أننا هواة ديباجات.

التعديلات… واللعبة القذرة

ولأن النقاش في البرلمان دائماً ينطوي على لعبة شد الحبل، فإن الأمر استغرق ساعتين (فقط!) للوصول إلى صيغة توافقية للمادة الأولى. تصوروا؟ ساعتان من النقاش حول ما إذا كانت الديباجة تستحق شرف دخول هذا النص أم أنها “سيدة غير مرغوب فيها”. في النهاية، وبعد شد وجذب يشبهان معركة عصور وسطى، استقر الجميع على صيغة خالية من الديباجة ولكنها محشوة بعبارات حقوقية بلمسة توازن: “حق الإضراب مضمون، لكن رجاءً، لا تمارسوه كثيراً!”.

الحكومة والمعارضة: حب على الطريقة البرلمانية

في هذا العرض السياسي الساخن، ظهر الوزير بعبارته الشهيرة: “القوانين التنظيمية مستمدة من الدستور مباشرة!”. لكنه نسي، أو ربما تظاهر بالنسيان، أن الدستور المغربي لا يحتاج إلى إضاءة كاشفة ليؤكد ما هو واضح: حق الإضراب مضمون، ومن يعبث بهذا الحق فهو كمن يحاول إعادة اختراع العجلة لكن بثلاثة أضلاع فقط!

الديباجة: الضحية الجديدة؟

أما عن الديباجة، فهي، كما يبدو، أصبحت مرشحة لجائزة “أكثر كلمة مستفَزّة للحكومة”. لماذا؟ لأن إضافتها قد تُزعج المحكمة الدستورية! وكأن الديباجة أصبحت رمزا للخطر الداهم الذي قد يهدد انسجام القوانين. لكن لا تقلقوا، الوزير قدم لنا وصفة جديدة: “لا نحتاج ديباجة، سنصيغ مادة أولى… ولكن بطريقة لا تستفز أحداً”.

الدستور: سيد المسرح

الواقع هو أن الدستور المغربي يغني عن كل هذا العبث. الفصل 29 من الدستور صريح: حق الإضراب مضمون. النقاش هنا يبدو وكأنه محاولة لإعادة صياغة نص مقدس بأسلوب كوميدي. لكن الشعب ليس بحاجة إلى مسرحيات إضافية؛ فقد شاهد بما فيه الكفاية من عروض تصب في خانة تقييد الحريات تحت عناوين براقة مثل “ضمان التوازن بين الحقوق”.

القوانين التنظيمية والدستور المغربي: مسرحية من فصل واحد

والجميل في الأمر أن الحكومة والمعارضة اجتمعتا في لحظة نادرة من الحب والتفاهم. حتى السيدة نبيلة منيب، التي عادة ما تكون صوتاً مستقلاً، قبلت بـ”الصفقة”. وفي لحظة درامية من الجلسة، عندما قام رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار بتثمين صيغة الحكومة، رد عليه عضو العدالة والتنمية مصطفى الإبراهيمي، قائلاً: “باركا علينا من المديح، راه كنا كلنا في اللجنة!”. يا لها من لحظة حب شيوعي-ليبرالي-إسلامي.

الإضراب: مسرحية كوميدية أم مأساة؟

في النهاية، وبعد التصفيق الحار، يبقى السؤال: هل الطبقة الشغيلة تحتاج فعلاً إلى هذا النص الجديد؟ أم أن الأمر برمته محاولة أخرى لترويض العمال وحصرهم في قفص ذهبي؟

إن هذا القانون، بصيغته النهائية، يبدو وكأنه يعِد العمال بشيء واحد: “سنضمن حقكم في الإضراب… ولكن بشرط أن لا تستخدموه أبداً!”.

أما نحن، الشعب المشاهد من المدرجات، فلا يسعنا إلا أن نرفع أيدينا بالدعاء: “اللهم كن في عون العمال، فقد أصبح حقهم في الإضراب أشبه بـ”حق التمتع بالشمس في يوم غائم!”.

ختام المسرحية

في النهاية، حق الإضراب لا يحتاج إلى ديباجة أو تصدير أو حتى “مادة أولى توافقية”. ما يحتاجه فعلاً هو إرادة حقيقية لحماية هذا الحق، لا لتحويله إلى مجرد شعار يُرفع في المناسبات الوطنية.

إذاً، كما نقول في السخرية المغربية:
“اللهم بارك لنا في دستورنا الذي يغلب كل المسرحيات، وكن في عون الطبقة الشغيلة التي يُراد لها أن تعود إلى أيام الشغل عبادة بلا مطالب.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى