فن وثقافة

المثقفون الحقيقيون والمتسلقون: بين عمق الفكر والانتهازية

محمد صابر

المثقف والمربي الحقيقي هو من يتعامل مع الناس ببساطة ويشاركهم ضحكاتهم بتواضع ويقرأ من أجل نفسه، بعيدًا عن أولئك الذين يُثقلون أنفسهم بعقد نفسية تجعلهم يتوارون خلف شخصيات مصطنعة، محاولين في أبسط الجلسات الاحتماء بلغة خشبية جامدة. هؤلاء لا يدركون أن أسلوبهم المتصنع يكشف معدنهم الخشبي بامتياز.

يأتي التمييز بين المثقفين الحقيقيين والمتسلقين في أهمية توجيه الضوء نحو مجموعة من المعايير التي تبرز قيمة المثقف ودوره الحقيقي في المجتمع. المثقف الأصيل يتميز بتوجهات فكرية عميقة وصدق داخلي يُعبر عنه بأفكاره المتوازنة ونشاطه الثقافي، في حين أن المتسلق يستخدم الثقافة كوسيلة لتحقيق مكاسب شخصية، أو ليضمن مكانه ضمن دوائر النفوذ، وفقًا للمتغيرات الاجتماعية والسياسية التي تسهّل له ذلك.

المثقفون الحقيقيون

  1. العمق الفكري والاستقلالية:
    المثقف الحقيقي يتميز بعمق في التحليل وطرح القضايا، ويرتكز في مواقفه على مبادئ فكرية وأخلاقية راسخة. يعبر عن آرائه بشكل مستقل دون أن يكون مرتبطًا بأجندات سياسية أو مصلحية. غالبًا ما يكون المثقف الحقيقي ناقدًا، سواء للسلطة أو حتى للمجتمع، ويسعى لتغيير الأوضاع عبر التنوير والإصلاح الفكري.
  2. النقد البناء والشجاعة الفكرية:
    المثقف الحقيقي لا يخشى مواجهة القضايا الحساسة أو إثارة النقاشات الصعبة. يتمتع بالشجاعة في طرح مواقفه حتى لو كانت مخالفة للرأي العام أو تعرضه للضغوط أو الإقصاء. يتعامل مع النقد باعتباره وسيلة لتعزيز النقاش الفكري وليس كأداة للهجوم الشخصي أو الانصياع للسلطة
  3. التفاعل مع القضايا الحقيقية:
    المثقف الحقيقي يهتم بالقضايا الجوهرية التي تؤثر على المجتمع، مثل الحرية، العدالة الاجتماعية، حقوق الإنسان، والمساواة. لا يختار المثقف القضايا السطحية أو التافهة لتحقيق شهرة سريعة، بل يعمق النظر في مشاكل مجتمعه ويسعى إلى تقديم حلول حقيقية.
  4. الأمانة الفكرية والإبداع:
    المثقف الحقيقي مبدع في طروحاته، يقدم أفكارًا جديدة، ويبحث عن حلول مبتكرة للمشاكل القائمة. كما يتحلى بالأمانة الفكرية، فلا يسعى لتزييف الحقائق أو تحريف الوقائع، بل يعتمد على الحجج والأدلة.

المهرولون والمتسلقون

  الانتهازية والتبعية:
المهرولون هم أشخاص يستغلون الثقافة كأداة للتقرب من السلطة أو تحقيق منافع شخصية. هؤلاء لا يمتلكون استقلالية فكرية، وغالبًا ما يبدلون مواقفهم بناءً على المصالح الضيقة أو التقلبات السياسية. يسعون إلى تلميع صورتهم عبر الانضمام إلى دوائر النفوذ والسلطة.

  السعي وراء الشهرة والمكاسب المادية:
المثقفون المزيفون أو المتسلقون يركزون على الحصول على مكتسبات مالية، مناصب، جوائز، أو شهرة عبر وسائل الإعلام دون أن تكون لديهم مساهمات فكرية حقيقية. يُفتح لهم المجال بسبب علاقاتهم السياسية أو الاجتماعية، وليس بناءً على جودة أعمالهم أو أفكارهم. يتواجدون في كل فرصة تتيح لهم مزيدًا من الأضواء، وغالبًا ما يتبنون خطابًا متملقًا يرضي أصحاب السلطة أو الطبقات المهيمنة.

  الترويج للشعارات الفارغة:
المتسلقون غالبًا ما يروجون لشعارات دون مضامين حقيقية، يطرحون مواضيع تافهة أو يتبنون قضايا رائجة لتحقيق شعبية سريعة دون أن يعالجوا جوهر المشكلة. لا يعيرون اهتمامًا كبيرًا لتطوير فكر أو إحداث تغيير اجتماعي حقيقي، بل يسعون وراء البروز الشخصي.

  الافتقار إلى العمق والإبداع:

بعكس المثقفين الحقيقيين، يفتقر المتسلقون إلى العمق في الطرح والتحليل. يعتمدون على نقل الأفكار السطحية أو التقليدية دون إضافة أي رؤية جديدة أو إبداعية. وغالبًا ما يكررون ما يرضي الجمهور أو السلطة دون أن يطرحوا تساؤلات أو حلولًا جديدة.

الفرق الجوهري بين المثقفين الحقيقيين والمهرولين

  • المثقف الحقيقي يسعى إلى التغيير الإيجابي من خلال أفكار تنبع من قناعة وإيمان بالعدالة والقضايا الحقيقية. هو ناقد للسلطة عندما يلزم، ومستعد لتحمل تبعات مواقفه الفكرية.
  • المهرول أو المتسلق يسعى إلى تعزيز مكانته الشخصية، ويتجنب المواجهة أو اتخاذ مواقف جريئة خوفًا من فقدان امتيازاته. يبني مساره على تبعيته للقوى المسيطرة ولا يعبر عن قناعات حقيقية.

الخلاصة

بينما يعمل المثقف الحقيقي على بناء مجتمع أفضل من خلال الفكر المستقل والنقد البناء، يهدف المتسلق إلى تحقيق مكاسب شخصية بغض النظر عن الأثر الثقافي أو الاجتماعي. يظل الفرق بين المثقف الحقيقي والمتسلق واضحًا في طريقة تعاملهما مع الفكر والمسؤولية الاجتماعية، وبينما ينال المتسلقون فرصًا مفتوحة للوصول إلى المنصات، فإن المثقف الحقيقي هو الذي يبقى رمزًا للفكر والحرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى