دابا ماروك
دعونا نتحدث بصراحة: في عالم يسير بخطى سريعة نحو التنمية، تبدو الملاعب الرياضية وكأنها تفاصيل صغيرة في لوحة أكبر. بينما يتحدث الوزراء عن خطط طموحة لبناء هذه المنشآت، يُظهر الواقع أننا نعيش في زمن قد يبدو فيه السردين مجرد طعام شعبي، بينما يرتبط الأثرياء بأطباق الفخامة مثل اللوبستر، ويتناولونها في اجتماعاتهم. وكأن تناولهم لهذا الأطباق الفاخرة ستمحو آثار الفقر والمعاناة من الذاكرة!
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل فعلاً نحن بحاجة إلى مزيد من الملاعب؟ ربما، ولكن ليس قبل أن نعالج مشاكلنا الأساسية. فعندما نتحدث عن تطوير رياضة كرة القدم في المغرب واستعدادنا لمونديال 2030، فإننا نتحدث عن أكثر من مجرد بناء ملاعب جديدة؛ نحن بحاجة إلى تعزيز البنية التحتية، توفير فرص التدريب، وتعليم الشباب المهارات اللازمة للمنافسة في الساحة الدولية. فهل يُعقل أن نتحدث عن بناء ملاعب فخمة بينما تعاني الأكاديميات الرياضية من نقص حاد في الموارد؟
ثم يأتي دور الجماهير، تلك الفئة العاشقة للكرة، والتي تملأ المدرجات وتُهتَف في كل مباراة. إنهم ينتظرون بفارغ الصبر رؤية فرقهم تلعب في ملاعب جديدة. لكن هل فكرت الجماهير يومًا في تكاليف هذه الملاعب؟ هل ستتحمل الحكومة وحدها عبء البناء، أم أن المواطنين سيُطلب منهم دفع “ضريبة الملاعب” في فاتورات استهلاك الماء والكهرباء وفي صورة زيادات جديدة في الضرائب أو ارتفاع أسعار تذاكر المباريات؟
من جهة أخرى، يُثار دائماً الحديث عن دور القطاع الخاص في استثمار بناء هذه الملاعب. ولكن هنا تكمن التساؤلات؛ هل سيجلب لنا هذ استثمارات جادة، أم أننا سنواجه تحديات تتعلق بظهور بعض الشركات التي قد لا تكون على قدر من الشفافية المطلوبة؟ لقد عشنا هذه القصة من قبل، حيث تأتي الوعود الكبيرة من المستثمرين، لكننا نجدهم يتلاشى حين يأتي وقت توزيع الأرباح.
إلى جانب كل هذه التساؤلات، هناك حظوظ المغرب في استضافة البطولات الكبرى. لطالما حلمنا بأن نكون وجهة لمباريات كأس العالم أو بطولات إفريقيا. ولكن إذا كانت لدينا ملاعب لا تُقارن بمثيلاتها في دول أخرى، فهل سنستطيع استضافة هذه الأحداث؟ أم أن علينا أولاً الاستثمار في تحسين وضعنا الرياضي بشكل عام قبل أن نحلم باستضافة البطولة؟
في النهاية، يبقى السؤال: هل نحن فعلاً مستعدون لبناء ملاعب رياضية كبيرة، أم أننا نعيش في عالم من الأوهام؟ كل شيء ممكن، ولكن دعونا لا ننسى أن النجاح في عالم الرياضة يتطلب أكثر من مجرد بناء منشآت فخمة. يحتاج الأمر إلى رؤية واضحة، استراتيجيات فعّالة، وإرادة حقيقية لتحسين وضعنا الرياضي. فهل سيستفيق المسؤولون من غفوتهم؟ أم سنستمر في الانتظار بينما تعيش الجماهير في حلم الملاعب الكبيرة؟