اقتصاد

سامير: كيف دفعت قرارات الأغلبية المهيمنة المستثمرين الصغار نحو كارثة مالية؟

الحسين اليماني الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز في للكونفدرالية الديمقراطية للشغل

تُعتبر قضية شركة سامير مثالًا صارخًا على المشاكل التي يمكن أن تحدث في عالم الأعمال، عندما تُدار الشركات بطريقة تنحاز لمصالح الأغلبية المهيمنة على حساب المساهمين الصغار. ففي حالة شركة سامير، التي كانت في السابق مؤسسة رئيسية في صناعة تكرير النفط في المغرب، توزّع رأسمالها بنسب متفاوتة بين شركات ومؤسسات وأفراد، حيث تمتلك مجموعة كورال حوالي 67٪ من الأسهم، بينما توزّع النسبة الباقية على مستثمرين آخرين مثل مجموعة هولماركوم بنسبة 6٪، و27٪ على مساهمين ذاتيين ومؤسساتيين. هذه الحصص تجعل من الواضح أن مجموعة كورال تتحكم فعليًا في قرارات مجلس الإدارة بفضل أغلبيتها الكبيرة التي تمنحها سلطة اتخاذ القرارات المصيرية.

تساؤلات حول المسؤولية الأخلاقية والقانونية

إن هذا التوزيع الرأسمالي يطرح إشكالية كبيرة تتعلق بمفهوم العدالة والمسؤولية في اتخاذ القرارات داخل الشركات. فعندما تتخذ مجموعة الأغلبية قرارات مصيرية تؤدي إلى انهيار الشركة، مثلما حدث مع سامير، يُترك المساهمون الصغار لتحمّل عواقب هذه القرارات دون أن يكون لهم دور فعلي في اتخاذها أو حتى القدرة على التأثير فيها. هنا تبرز الحاجة إلى مساءلة القوانين التي تنظم إدارة الشركات الكبرى، خصوصًا تلك المتعلقة بحماية حقوق الأقلية التي تكون غالبًا ضحية لسياسات الأغلبية المهيمنة. ما ذنب المستثمرين الأفراد والمؤسسات الصغيرة الذين وضعوا ثقتهم في هذه الشركة عن طريق شراء أسهم من البورصة، ليجدوا أنفسهم في مواجهة خسائر فادحة ناجمة عن سوء إدارة أو استغلال مجموعة الأغلبية؟

أهمية مراجعة القوانين المنظمة للاستثمار

تجربة سامير تضع أمامنا ضرورة مراجعة القوانين التي تحكم الاستثمار في الشركات المساهمة. إن شراء الأسهم من البورصة هو أحد أبرز وسائل الاستثمار الفردي والمؤسساتي في الاقتصاد الحديث، ولكن هذه التجربة تظهر مدى ضعف حماية المستثمرين الصغار أمام هيمنة القرارات الأحادية التي تتخذها الأغلبية. يتعين أن تكون هناك قواعد صارمة تضمن حقوق الأقلية وتحميهم من النتائج الكارثية التي قد تنتج عن سوء الإدارة أو الاستغلال. يجب التفكير في فرض آليات قانونية تضمن إشراك الأقلية بشكل فعال في اتخاذ القرارات أو على الأقل توفير وسائل حماية قانونية ومالية لهم في حال وقوع انهيارات مماثلة.

خسائر المساهمين الصغار ومحاسبة المسؤولين

من أبرز القضايا التي يجب التوقف عندها هي حجم الخسائر التي تكبّدها المغاربة والمستثمرون الصغار الذين وثقوا في شركة سامير واشتروا أسهمها من البورصة. هؤلاء المساهمون لم يكن لهم أي تأثير فعلي على القرارات التي اتخذتها مجموعة كورال والتي أدت في النهاية إلى تصفية الشركة قضائيًا. لا بد من التساؤل حول الإجراءات التي يجب اتخاذها مستقبلاً لحماية حقوق هؤلاء المساهمين، وضمان عدم تكرار هذه التجربة المؤلمة. هل تكفي القوانين الحالية لحماية مصالحهم؟ وهل يتم محاسبة المتسببين في هذه الكارثة الاقتصادية؟

دروس مستفادة وضرورة الإصلاح

تجربة سامير، التي شهدت انهيارًا ماليًا وإداريًا كبيرًا، تقدم دروسًا هامة لكل من المستثمرين وصنّاع القرار والمشرعين. فهي تسلّط الضوء على الحاجة الماسة لتطوير إطار قانوني متين يحمي المستثمرين الصغار من المخاطر الناجمة عن قرارات الأغلبية، وضمان أن تكون هناك توازنات وآليات رقابة فعالة تمنع تكرار مثل هذه الكوارث. إن المستثمرين الصغار يحتاجون إلى آليات تضمن لهم حمايتهم من استغلال الأغلبية المسيطرة، سواء داخل الشركة أو في علاقتها مع الأطراف الخارجية.

وفي الختام، يمكن القول إن ما حدث مع شركة سامير هو ناقوس خطر يستوجب من السلطات والمشرعين التحرك بسرعة لتطوير أنظمة حماية أكثر فاعلية للمستثمرين الصغار. الأمر لا يتعلق فقط بالخسائر المالية، بل أيضًا بثقة الجمهور في النظام الاقتصادي والاستثماري ككل. إذا لم يتم اتخاذ إجراءات حاسمة لحماية حقوق الأقلية في مثل هذه الحالات، فإن الثقة في الأسواق المالية قد تهتز بشكل كبير، مما يؤثر على جذب الاستثمارات المستقبلية وتنمية الاقتصاد الوطني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى