الاحتجاجات في كرة القدم: قراءة اجتماعية وثقافية بين الشرق والغرب
دابا ماروك
كرة القدم ليست مجرد لعبة؛ إنها مرآة تعكس ثقافات الشعوب وأنماط تفكيرها. وعند مقارنة المباريات التي تجمع أندية الدول العربية والإفريقية بنظيراتها الأوروبية، يظهر بوضوح فارق كبير في السلوكات داخل الملعب، خاصة فيما يتعلق بالاحتجاجات على قرارات الحكام. هذه الظاهرة، التي تبدو جلية في الملاعب العربية والإفريقية، تستحق قراءة عميقة لفهم أسبابها وسياقاتها.
- الاحتجاج في الملاعب: ظاهرة متكررة أم نمط سلوكي؟
في مباريات أندية الدول العربية والإفريقية، نشهد مشهدًا متكررًا يتمثل في الاحتجاجات الصاخبة من اللاعبين، حتى لو كان الخطأ واضحًا أو القرار التحكيمي صائبًا. يظهر هذا السلوك بأشكال متعددة:
- حراس المرمى الذين يهرعون نحو الحكم بعد تسجيل هدف مشروع في شباكهم.
- المدافعون الذين يعترضون على قرارات احتساب ركلات جزاء رغم ارتكابهم مخالفات واضحة.
- جماعات من اللاعبين تحاصر الحكم في محاولة للتأثير عليه.
في المقابل، نلاحظ ندرة هذه المشاهد في الملاعب الأوروبية، حيث يحتج اللاعبون بشكل فردي ومحدود، وغالبًا ما يستمر اللعب دون تعطيل.
- العوامل الثقافية والاجتماعية وراء الاختلافات
أ. السياق الاجتماعي والسياسي
في كثير من الدول العربية والإفريقية، تسود ثقافة تُشكّك في عدالة المؤسسات والأنظمة، سواء في الرياضة أو خارجها. هذه البيئة تُنتج عقلية دفاعية ترى في الاحتجاج أداة لمواجهة الظلم المفترض، حتى عندما لا يكون هناك ظلم حقيقي.
- اللاعب العربي أو الإفريقي قد ينظر إلى الحكم كجزء من “نظام أكبر” يحتمل أنه ضده.
- في أوروبا، حيث تكون الثقة في المؤسسات أعلى، يُنظر إلى الحكم على أنه شخص يقوم بدوره وفق القواعد، مما يقلل من الحاجة للاحتجاج.
ب. التربية الرياضية والتدريب
في الأكاديميات الرياضية الأوروبية، يتم تعليم اللاعبين منذ الصغر احترام قرارات الحكام، والتعامل مع الأخطاء كجزء طبيعي من اللعبة. أما في كثير من الدول العربية والإفريقية، فغالبًا ما يغيب هذا النوع من التأطير، ما يترك المجال واسعًا لتطور سلوكات غير منضبطة.
ج. تأثير الجمهور والإعلام
- في العالم العربي والإفريقي: الجمهور يتوقع من لاعبيه الاحتجاج على كل قرار قد يكون ضد فريقهم، ويرون في ذلك علامة على الحماس والدفاع عن الفريق.
- في أوروبا: الإعلام والجمهور ينتقدون بشدة اللاعبين الذين يبالغون في الاحتجاجات، ما يخلق وازعًا قويًا لالتزام الهدوء.
- الحكم كرمز للسلطة: تفسير نفسي وسوسيولوجي
الحكم في الملعب ليس مجرد مسؤول رياضي؛ هو رمز للسلطة والنظام. في المجتمعات التي تعاني من ضعف الثقة في السلطة، تصبح مواجهته نوعًا من التفريغ النفسي.
- اللاعبون قد يستخدمون الاحتجاج كوسيلة للتنفيس عن إحباطات أعمق، سواء كانت شخصية أو جماعية.
- في المقابل، في أوروبا حيث النظام يُنظر إليه كجزء من العدالة الاجتماعية، يكتسب الحكم احترامًا أكبر داخل وخارج الملعب.
- الاحترافية والانضباط
كرة القدم الأوروبية تتميز بمستوى عالٍ من الاحترافية، سواء على مستوى التدريب أو إدارة المباريات. هذا الانضباط يتطلب من اللاعبين التركيز على الأداء بدلاً من الانشغال بالاحتجاج.
- القوانين في أوروبا تطبق بحزم، واللاعبون يعلمون أن أي احتجاج مفرط سيكلفهم بطاقة صفراء أو عقوبة.
- في العديد من الدول العربية والإفريقية، قد يضعف تطبيق القوانين، مما يشجع اللاعبين على الاحتجاج ظنًا أنهم قد يغيرون القرار.
- هل الاحتجاج هو المشكلة؟
من المهم أن نفرّق بين الاحتجاج كحق طبيعي في سياقات معينة، وبين تحويله إلى عادة تؤثر على جودة المباراة.
- في أوروبا: الاحتجاجات موجودة لكنها تُدار ضمن حدود معينة، وغالبًا ما تكون مدروسة وموجهة نحو هدف معين.
- في العالم العربي والإفريقي: الاحتجاج قد يصبح “مسرحية” تعطل اللعب وتشتت تركيز الفريق نفسه.
- نحو حل الظاهرة: ما العمل؟
أ. الاستثمار في التعليم الرياضي
تعليم اللاعبين منذ الصغر احترام القوانين والتعامل مع قرارات الحكام كجزء من اللعبة، بدلاً من اعتبارها خصمًا.
ب. تعزيز الثقة في التحكيم
- تحسين مستوى الحكام في الدول العربية والإفريقية عبر تدريبات وشهادات معترف بها دوليًا.
- استخدام تقنيات حديثة مثل تقنية الـVAR، لتقليل الأخطاء التحكيمية وتعزيز الثقة في القرارات.
ج. تغيير عقلية الجمهور والإعلام
- تشجيع الإعلام على تسليط الضوء على أهمية السلوك الرياضي النظيف.
- تثقيف الجمهور حول دور التحكيم واحترام قراراته.
خاتمة
الاحتجاج في كرة القدم ليس مجرد سلوك عابر، بل هو انعكاس لثقافات ومجتمعات بأكملها. وبينما تبدو الملاعب الأوروبية كمساحات للانضباط والالتزام، تعكس الملاعب العربية والإفريقية تحديات أعمق ترتبط بالثقة في النظام والتعليم الرياضي. معالجة هذه الظاهرة تتطلب رؤية شاملة تبدأ من الأكاديميات الرياضية وتمتد إلى الجمهور والإعلام، لضمان أن تكون كرة القدم لعبة تعكس الروح الرياضية الحقيقية.