مجتمع

حي السوق القديم بالمحمدية: تاريخ ومطالب سكانه في تمليك المنازل

دابا ماروك

يقف حي السوق القديم بالمحمدية شاهداً على مرحلة تاريخية مهمة، إذ ارتبط بنشأة المدينة وتطور بنيتها الاقتصادية والاجتماعية. إنشاء هذا الحي خلال الخمسينيات لم يكن عشوائياً؛ فقد كان امتداداً لنشاط اقتصادي حيوي تمثل في السوق الأسبوعي الذي شغل الموقع قبل نقله لاحقاً إلى “درب مراكش” في العالية. هذا الانتقال لم يكن مجرد تغيير في الجغرافيا، بل كان إشارة إلى التحولات العمرانية التي رافقت المدينة، حيث تطورت المنطقة المحيطة بالسوق القديم لتصبح اليوم موقعاً ذا قيمة معنوية وسكنية، وإن كان يفتقر إلى خطوة في ملكية العقارات.

أبعاد ملكية الأرض: صراع بين التاريخ والقانون

رغم أن أرض الحي لا تزال مسجلة ضمن ممتلكات جماعة المحمدية، فإن التغيرات في طبيعة استخدامها تبرز تعقيدات العلاقة بين الجماعة والسكان. هذه الأرض التي شهد جزء منها تحويل سوق الجملة إلى حظيرة خيول الشرطة، ومن ثم إنشاء مدرسة “ولادة”، تُظهر كيف أن الحي لم يقتصر على كونه سكنياً، بل أصبح جزءاً من النسيج الخدمي للمدينة.

ومع ذلك، تبقى المنازل السكنية الواقعة في الحي أبرز ما يثير الجدل. فهي منازل شيدت وفق معايير زمنية متواضعة، وتراوحت مساحاتها بين 80 و100 متر مربع. ورغم مرور أكثر من نصف قرن على نشأتها، لا يزال سكانها يفتقدون الصفة القانونية التي تثبت ملكيتهم لها، مما يجعلهم عرضة لتقلبات القرارات الإدارية والمنازعات القانونية.

هذه المنازل مأهولة من قبل موظفين جماعيين ومخازنية وعائلات تعاني من ظروف اقتصادية متواضعة. سكان الحي، على مدار عقود، ظلوا يأملون في الحصول على حق التمليك، لا سيما وأن معظمهم استقروا في هذه المنازل للمدة المذكورة، ما يجعلها بمثابة ملكية واقعية وإن لم تكن قانونية بعد.

إرادة التمليك: وعد تحقق 

في عام 2015، شكل إدراج قضية تمليك منازل الحي نقطة بارزة في جدول أعمال دورة ماي للجماعة. القرار الذي صودق عليه بالإجماع لم يكن خطوة رمزية فقط، بل كان التزاماً قانونياً ومجتمعياً تجاه السكان. جمعيتهم أظهرت جهداً ملموساً من خلال إعداد كافة الوثائق التقنية المطلوبة، بما في ذلك التصميم الطوبوغرافي للحي، ما يعكس رغبة حقيقية في الوصول إلى حل عادل ومستدام.

التحديات التي تواجه التنفيذ

رغم التقدم الذي تحقق، فإن قضية التمليك تعثرت بفعل عوامل متعددة:

  1. البيروقراطية الإدارية:
    تعاني الجماعة من بطء في استكمال الإجراءات الإدارية، ربما بسبب غياب آليات واضحة ومحددة للتفاوض مع السكان بشأن إجراءات البيع أو التمليك.
  2. غياب الشفافية:
    تأخر الجماعة في الإفصاح عن الخطوات التالية لتنفيذ القرار يعزز شعور السكان بالقلق وعدم الثقة.
  3. العامل الاقتصادي:
    بعض الأسر المعوزة قد تجد صعوبة في تحمل أي تكاليف مادية قد تُفرض في إطار عملية التمليك، ما يتطلب حلولاً استثنائية تأخذ وضعهم الاجتماعي بعين الاعتبار.
  4. تغير أولويات الجماعة:
    قد تكون الجماعة قد وجهت اهتمامها نحو قضايا أو مشاريع أخرى، ما أدى إلى تراجع اهتمامها بقضية السوق القديم.

أهمية الحسم في القضية

إن تأخر الجماعة في تنفيذ قراراتها يعرضها لإشكاليات قانونية قد تصل إلى المحكمة الإدارية، وهو خيار يبدو متاحاً للسكان في حال استمر الوضع كما هو. ورغم أن هذا المسار قد يكون “مربوحاً” كما يقول خبراء القانون، فإنهم يفضلون الحل التوافقي الذي يعتمد على الحوار المباشر مع الجماعة، خصوصاً أن القضية ليست مجرد نزاع قانوني، بل تعبير عن علاقة المواطن بمؤسساته.

البعد الإنساني والاجتماعي للتمليك

تمليك المنازل في حي السوق القديم يحمل أبعاداً تتجاوز الإطار القانوني لتلامس الجوانب الاجتماعية والإنسانية. فالسكان، ومعظمهم من الموظفين الجماعيين وأسر تعيش أوضاعاً اقتصادية صعبة، يرون في التمليك فرصة لتحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي. هذا الاستقرار سيُمكنهم من استثمار منازلهم قانونياً، سواء عبر تحسينها أو استخدامها كضمان للحصول على قروض، مما ينعكس إيجاباً على مستواهم المعيشي.

اقتراحات لتعجيل الحلول

  1. تشكيل لجنة مشتركة:
    تضم ممثلين عن الجماعة والسكان وكافة المصالح الخارجية المعنية، لتسريع وتيرة المفاوضات وضمان تنفيذ القرارات.
  2. إقرار جدول زمني ملزم:
    تلتزم فيه الجماعة بإنجاز جميع الإجراءات الإدارية والتقنية المتبقية وفق خطة محددة.
  3. إعفاءات أو تخفيضات مالية:
    مراعاةً للحالة الاقتصادية للسكان، يمكن تقديم إعفاءات أو تخفيضات على ثمن التمليك، خاصة للأسر الأكثر هشاشة.
  4. حملة تواصلية:
    تعمل الجماعة على إطلاق حملة تواصلية مع السكان لتوضيح الخطوات المقبلة وبث الطمأنينة في نفوسهم.

خاتمة: التمليك كرمز للعدالة الاجتماعية

تمليك المنازل في حي السوق القديم ليس فقط استجابة لمطلب شعبي، بل هو استحقاق يعكس مدى قدرة الجماعة على تحقيق العدالة الاجتماعية والإنصاف. الإسراع في حسم هذا الملف سيشكل علامة فارقة في علاقة المواطنين بمؤسساتهم، وسيعزز الثقة في الإدارة المحلية كفاعل أساسي في تحسين جودة حياة السكان وتحقيق التنمية المستدامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى