أزمة مكناس: تحديات تنموية ونخب محلية عاجزة عن التأثير
مكناس/ المراسل
مدينة مكناس، العاصمة الإسماعيلية، تعد من بين أعرق المدن المغربية التي تزخر بتاريخ طويل ومعالم ثقافية وحضارية لا تحصى. ورغم هذه الخلفية الغنية، إلا أن مكناس تعيش اليوم أزمة متعددة الأبعاد تؤثر بشكل مباشر على سكانها وتحرمها من تحقيق إمكاناتها التنموية.
أزمة مكناس ليست مجرد أزمة اقتصادية أو اجتماعية فقط، بل هي أزمة شاملة ترتبط أساسًا بالعنصر البشري والقيادة المحلية. إذ يعاني قطاع كبير من النخب السياسية والنقابية والجمعوية والإعلامية في المدينة من ضعف التكوين والقدرة على التأثير الفعلي في صنع القرار المحلي. العديد من القيادات المحلية تجد نفسها عاجزة أمام تعقيدات الواقع المعاش، مما يجعلها إما تتواطأ مع الأوضاع القائمة أو تتنصل من مسؤولياتها، لتكتمل بذلك الحلقة المفرغة التي تضر بمستقبل المدينة.
الضعف الكبير في التكوين: هذا الضعف لا يقتصر على الأطر العليا فقط، بل يمتد ليشمل العديد من الفاعلين المحليين في مختلف القطاعات، سواء في الإدارة المحلية أو الجمعيات المدنية. يُلاحظ غياب البرامج الفعالة التي تهدف إلى تحسين مهارات العاملين في هذه المجالات، مما يؤدي إلى قرارات غير مدروسة، وهو ما يعزز أزمة التسيير المحلي ويزيد من التوترات داخل المدينة.
التواطؤ السياسي: في الوقت الذي يعاني فيه سكان مكناس من تدهور الخدمات العامة ومن قلة المشاريع التنموية التي تحسن من وضعهم الاجتماعي والاقتصادي، تُبقى النخب السياسية في المدينة على تواطؤ مع الأوضاع الراهنة، إما لافتقارها إلى الجرأة للتغيير أو خوفًا من إغضاب قوى معينة قد تؤثر على مراكزهم. هذا التواطؤ يتجلى في تعثر المشاريع الكبرى التي قد تساهم في انتعاش المدينة، وعدم القدرة على تنفيذ رؤية تنموية حقيقية.
الاستقالة أو الانسحاب: أكثر ما يزعج السكان هو انعدام روح المبادرة لدى الأطر المحلية، حيث يلاحظ الكثيرون انسحاب بعض الفاعلين الرئيسيين، سواء من الساحة السياسية أو الجمعوية، وهو ما يزيد من أزمة مكناس. غالبًا ما يفضل العديد من الأطر المغادرة إلى مدن أخرى بحثًا عن فرص أفضل، مما يحرم مكناس من الاستفادة من مواردها البشرية المتخصصة.
تأثير أزمة التدبير الترابي: رغم موقعها الاستراتيجي وإرثها التاريخي، تعيش مكناس أزمة بنيوية عميقة تتجلى في ضعف التدبير الترابي وتدبير المصالح الخارجية. فعلى الرغم من كون المدينة تضم العديد من المعالم السياحية والمناطق التاريخية التي كان من المفترض أن تكون مصدرًا للإشعاع الاقتصادي والسياحي، إلا أن تدبير هذه الإمكانيات لا يزال يعاني من هشاشة كبيرة. ضعف التنسيق بين المؤسسات المحلية وتخلف بعض المصالح الخارجية عن مواكبة التطورات يساهم في فشل العديد من المشاريع، سواء على مستوى البنية التحتية أو على مستوى التنشيط السياحي والثقافي.
خلاصة: مكناس بحاجة ماسة إلى استعادة دورها القيادي في المغرب، وذلك عبر العمل على إعادة تأهيل الإنسان المكناسي وتنمية العنصر البشري من خلال برامج تعليمية وتدريبية فعالة، إلى جانب تجديد النخب السياسية والاجتماعية. يجب على المؤسسات الرسمية وغير الرسمية التعاون بفعالية لتحقيق تنمية شاملة تضمن للمدينة تطورًا اقتصاديًا واجتماعيًا يوازي تاريخها العريق.