مجتمع

القطاع الصحي على حافة الانهيار: الأطباء يقلبون الطاولة في وجه الإهمال ويعلنون الإضراب!

دابا ماروك

في سابقة قد لا تجدها إلا في بلد الإبداع في اختراع الأزمات، يُطلق قطاع الصحة رصاصة جديدة على قدمه (أو قدم المرضى، فلنكن صادقين) من خلال إضراب شامل يبدو وكأنه إعلان رسمي عن “أسبوع بلا صحة”، وذلك بفضل “قوة الإرادة” التي أظهرها أطباء الداخل والمقيمون، عبر إضرابهم عن العمل لمدة ثلاثة أيام، متخلين عن الأقسام الصحية كافة باستثناء المستعجلات والإنعاش، وكأنهم يقولون لنا: “سنترك لكم الجرعات الأخيرة من الخدمات، لكن لا تتعودوا”.

وهكذا، قررت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية أن تجعلنا أبطالاً عالميين في فن الإضرابات والصمود، وكأن نجاحها يُقاس بعدد الشكاوى والاحتجاجات! فالوزارة، بكل “حكمة ورصانة”، تواصل مسيرتها الهادئة نحو “القمة” غير مكترثة بخارطة المشاكل المتفجرة في قطاع الصحة.

ولعل اللجنة الوطنية للأطباء الداخليين والمقيمين قررت أخيراً أن تقول “كفى” بطريقة مدوية، حيث أعلنت عن إضراب لمدة ثلاثة أيام؛ من الثلاثاء حتى الخميس، مع حرصها على إبقاء خدمات الطوارئ والإسعافات مستمرة “لبعض الوقت”، فقط لضمان أننا لن نموت جماعياً.

وفي بيان متحمس، أوضحت اللجنة أنها لن تتراجع عن مطالبها في نيل “حقوقها المهضومة”، محملة الوزارة والحكومة كل المسؤولية عن “عواقب وخيمة” قد تلحق بالقطاع الصحي، فيما يبدو وكأن الحكومة تتوقع منا أن نتدبر أمر صحتنا الشخصية بأنفسنا، أو ربما تنتظر أن نشفي أنفسنا بالصبر.

أما عن الخطوات الاحتجاجية الإضافية، فقد قرر أطباء القطاع العام أن الأمور قد تجاوزت كل حدود المعقول، فأعلنوا مقاطعة إصدار الشهادات الطبية اللازمة لرخص السياقة، والشواهد المرضية، والشواهد الطبية بشكل عام، ليبدو وكأن الوزارة ستتحمل وحدها عبء تلك الشهادات التي قد تصبح عملة نادرة في المستقبل القريب.

والملفت هو أن الوزارة، بقيادة وزيرها الجديد “أمين الهراوي”، الذي يبدو أنه اختار الاستماع بصمت معزز بتجاهل متقن، تستمر في عقد اجتماعات تبدو وكأنها تجريب لأحدث أساليب التأمل البوذي، متجاهلةً الاحتقان المتصاعد والتدهور المستمر في القطاع، بينما تتابع على شاشات التلفاز تبريكات مشروع قانون المالية وكأنه تحفة فنية بميزانية فلكية، لا تصل لجيب المواطن ولا تحل أزمة.

في خضم هذه الاحتجاجات التي يخوضها الأطباء والممرضون، علينا أن ندرك أن حقوق المضربين ليست مجرد رفاهية أو مطالب جانبية، بل هي صرخة صريحة لأجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا القطاع الصحي. هؤلاء العاملون ليسوا مجرد موظفين، بل هم خط الدفاع الأول عن صحة المواطنين، واحتجاجهم ليس مجرد اعتراض عابر بل نتيجة تراكم سنوات من الإهمال والتجاهل. فبين قلة الإمكانيات، وغياب الحماية الاجتماعية الكاملة، والعمل تحت ضغوط نفسية وجسدية يومية، أصبح من حقهم، بل وواجبهم، أن يدافعوا عن ظروفهم وحقوقهم.

الإضراب هنا لا يُفترض أن يُقرأ كعصيان، بل كوسيلة أخيرة لجذب انتباه المسؤولين، فكم من مرة قدم هؤلاء الأطباء والممرضون الشكاوى وطالبوا بتحسين الأوضاع! وبدلاً من إسكات أصواتهم، على الحكومة أن تستمع إليها بعناية، وأن تضمن لهم البيئة المناسبة التي تتيح لهم تقديم خدماتهم الإنسانية بكرامة وسلامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى