دابا ماروك
استضافة المغرب لجزء من كأس العالم 2030 يمكن أن تكون فرصة كبيرة لتحفيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في البلاد. كما هو الحال مع العديد من الأحداث الرياضية الكبرى، فإنه من المتوقع أن ترافق هذا الحدث تحفيزات هائلة للبنية التحتية، وزيادة في الاستثمار، وتعزيز السياحة، مما يمكن أن يساهم في تحسين الوضع الاقتصادي للمغرب.
لكن، ستكون هناك حاجة للتعامل بحذر مع التحديات الاجتماعية التي قد تبرز بسبب الفقر والأحياء القصديرية في بعض المناطق. من المتوقع أن يكون هناك ضغط على الحكومة والمجتمع لتقديم حلول تنموية حقيقية ومستدامة للمناطق الأكثر احتياجًا، خاصةً أن استضافة حدث عالمي كهذا يتطلب تطويرات كبيرة في البنية التحتية، بما في ذلك الملاعب، وسائل النقل، والمرافق العامة.
الاستفادة الحقيقية من هذا الحدث تتطلب التركيز على ضمان أن يكون هناك توزيع عادل للفوائد على جميع شرائح المجتمع. ينبغي أن يكون جزء من التخطيط الاستثماري موجهًا لمعالجة مشاكل الفقر والمساكن العشوائية من خلال مشاريع إسكان وتنمية موجهة، بالإضافة إلى تعزيز فرص العمل للأفراد في تلك المناطق.
إذا تم التعامل مع هذه القضايا بشكل جدي، يمكن أن تكون استضافة كأس العالم 2030 نقطة انطلاق لتحفيز التغيير الاجتماعي والاقتصادي في المغرب، مع ضمان أن تكون هذه التغييرات مستدامة ولا تقتصر فقط على مدة الحدث.
البنية التحتية والمرافق الرياضية: بين الحاجة المحلية والمظهر العالمي
يُعَدُّ تطوير البنية التحتية الرياضية، مثل ملاعب كرة القدم والمرافق المرافقة لها، ركيزة أساسية لأي بلد يسعى لاستضافة كأس العالم. وملعب بنسليمان ليس استثناءً؛ فقد أصبح ضمن قائمة المشاريع التي تسعى إلى الوفاء بمتطلبات الفيفا الصارمة. لكن هنا يظهر السؤال المهم: ماذا بعد انتهاء البطولة؟ هل ستظل هذه الملاعب تخدم الأندية المحلية، مثل حسنية بنسليمان، وتصبح منصات للتنمية الرياضية الوطنية؟ أم أن مصيرها سيكون طي الإهمال مثلما حدث مع العديد من المنشآت الرياضية في دول أخرى بعد انتهاء البطولات الكبرى؟
في ضوء هذه التساؤلات، على السلطات المغربية التفكير في نموذج استثماري يجعل من هذه الملاعب مواردً مستدامة تخدم الرياضة المحلية وتساهم في إشراك الشباب المغربي في الرياضة، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى المرافق المناسبة.
ملف السياحة: تحديات ما بعد البطولة و”متسولو الملاعب”
مع أن تنظيم كأس العالم قد يسهم في رفع مكانة المغرب سياحياً، إلا أن هناك تحديات غير تقليدية ترافق هذا الطموح. فالزائرون الذين سيتوافدون إلى المملكة سيصطدمون، في كثير من الأحيان، بمظاهر اجتماعية قد لا تليق بوجهة سياحية عالمية، مثل تواجد المتسولين في الشوارع والمناطق السياحية. ورغم أن الحكومة قد تلجأ إلى حلول سريعة مثل تنظيف الشوارع من هؤلاء المتسولين في محاولة لإظهار صورة مغايرة للواقع، إلا أن هذه الحلول المؤقتة غالباً ما تكون سطحية وغير مجدية.
تجارب المدن العالمية التي احتضنت فعاليات ضخمة أظهرت أن معالجة الظواهر الاجتماعية السلبية تتطلب حلولاً أعمق من مجرد نقل المشكلة إلى مكان بعيد عن الأنظار، فهي تتطلب إدماج الفئات الهشة في مشاريع تنموية متكاملة تضمن لهم حياة كريمة وتوفر لهم فرص عمل بديلة ومستدامة.
الفقر والتنمية المستدامة: هل تنقذنا الملاعب الجديدة؟
تشييد الملاعب وتطوير البنية التحتية قد يجذب الاستثمارات ويخلق بعض فرص العمل المؤقتة، لكن التأثير على الفقر يعتمد بشكل أساسي على ما إذا كانت هذه المشاريع ستعود بالنفع على الفئات المهمشة بشكل فعلي. فالتنمية الحقيقية لا يمكن أن تتحقق فقط من خلال بناء منشآت رياضية. ينبغي أن تكون هناك رؤية متكاملة تشمل تحسين التعليم، وخلق فرص عمل حقيقية للشباب، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وضمان توفر خدمات صحية ومرافق عامة متطورة.
كأس العالم 2030 يمكن أن يكون فرصةً لانطلاقة تنموية جديدة في المغرب، لكن إذا لم يتم الاستثمار في الإنسان أولاً وقبل كل شيء، فإن هذه البنية التحتية ستبقى مجرد واجهةٍ براقة. المطلوب اليوم هو خطط اقتصادية متكاملة تساهم في حل جذور مشاكل البطالة والفقر، وليس فقط التركيز على الرغبة في تنظيم حدث رياضي عالمي.
تعزيز الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية
إن مشكلة الفقر في المغرب ليست مجرد أرقام أو نسب إحصائية، بل هي واقع يعيشه ملايين المغاربة، وتجسده قصص إنسانية يرويها كل من يجوب شوارع المدن الكبرى والصغرى على حد سواء. وإذا كان كأس العالم يمكن أن يلعب دورًا في تحسين هذه الصورة، فإن الإصلاحات يجب أن تستند إلى معايير الكرامة الإنسانية. فالاستثمارات التي ستُضَخُّ في التحضير للبطولة ينبغي أن تتوجه أيضًا إلى المشاريع التي تضمن للفئات الهشة حياة كريمة، وتوفر لهم سبل العيش المستدام، وليس فقط إلى إنشاء مرافق رياضية عصرية.
من هذا المنطلق، على السلطات أن تتخذ من هذه المناسبة فرصةً لمراجعة السياسات الاجتماعية والاقتصادية بشكل شامل، ووضع خطط تعالج الفجوات الاقتصادية والاجتماعية العميقة. يجب أن تكون هناك برامج تدعم الحرف والصناعات المحلية، وتعزز السياحة البيئية، وتجذب استثمارات مستدامة تعود بالنفع على المواطنين في جميع أنحاء البلاد، وليس فقط على المدن المستضيفة للمباريات.
الرياضة كقوة دافعة للتغيير
من جهة أخرى، يمكن أن يلعب كأس العالم دوراً إيجابياً في تعزيز الروح الوطنية والانتماء لدى الشباب المغربي، مما قد يدفعهم للمشاركة في العمل التطوعي والمبادرات المحلية. هذا الحدث قد يكون دافعاً لظهور مبادرات مجتمعية تهدف إلى تعزيز الروابط الاجتماعية وتشجيع روح العطاء والتضامن.
في النهاية، يبقى السؤال معلقاً حول ما إذا كانت هذه التجربة ستساهم في وضع المغرب على مسار جديد من التنمية الشاملة والمستدامة، أم أنها ستنتهي مثل غيرها من المبادرات السابقة كحدث عابر لم يؤثر سوى على الوجه الخارجي للمدن الكبرى.