مجتمع

إصلاحات على المقاس: عندما تتحول مراكز تكوين الأطر إلى مختبرات للقرارات الغامضة!

دابا ماروك

في خطوة أخرى من الخطوات التي لا يفهمها سوى من يحمل قناعة بأن “الإبداع” في القرارات هو الحل، أعلنت وزارة التعليم العالي عن إجراءات جديدة لتوظيف الأساتذة الباحثين في مراكز تكوين الأطر العليا، ليبدو أن المهم هو اتخاذ أي إجراء، وليس بالضرورة أن يكون منطقياً أو عادلاً. أما المكتب الوطني لنقابة التعليم العالي والبحث العلمي، فلم يكن له إلا أن يُبدي “الاستغراب” – ولا عجب في ذلك، فمن الصعب على أي عاقل أن يُتابع ما يحدث دون أن يشعر بالحيرة الشديدة، لا سيما عندما تكون التعديلات أشبه بطلاسم تحتاج إلى متخصص في علم النفس لفهم مغزاها.

ولأن “الإبداع” لا حدود له، فقد قررت الوزارة استحداث إطار وظيفي جديد يحمل اسم “أستاذ باحث”، ولكن لابأس، فإن هذا الإطار لا يشبه إطارات الأساتذة الباحثين المعروفة، فهو يبدو كمزيج مبتكر بين الوظيفة الحكومية وغموض المستقبل المهني. وربما ظنّ البعض أن الغموض والتغيير دون مبرر كافٍ هو ما يحتاجه النظام التعليمي لينتقل إلى “المستوى التالي”، رغم أنه على الأغلب سيصل إلى المستوى التالي من الأزمات لا أكثر.

أما التوزيع الجغرافي للتخصصات والمناصب، فهنا يظهر “اللمسة الإبداعية” بشكل واضح. فهناك مناطق تحصل على مناصب لأساتذة لا تحتاجهم بالفعل، بينما تترك مناطق أخرى تبحث عن متخصصين كمن يبحث عن إبرة في كومة قش. ليس من الغريب أن تتحدث النقابة عن “انحرافات” في هذا التوزيع؛ فالانحراف يبدو وكأنه أصبح معياراً أساسياً لا يمكن التخلي عنه.

والأكثر طرافة هو أن التوجه الجديد يركز على “الحياة المدرسية” كتخصص مهم رغم أن الجميع يتساءل عن مدى أهميته الفعلية. فما الحاجة إلى التخصصات الأخرى طالما أن الجميع يعيش “حياة مدرسية” سعيدة؟ فربما السرّ يكمن في أن هذه المناصب وُزعت لتوجيه التعليم نحو نهج “الحياة المدرسية” على حساب أي محتوى أكاديمي فعلي.

أما النقابة، فعلى طريقتها الرسمية دعت الوزارة إلى معالجة هذا الوضع بسرعة، ولكن من الواضح أن الوزارة لا ترى في الأمر سوى نجاح آخر يُضاف إلى قائمة نجاحاتها، وأن معيار الشفافية هو “ترف” لا داعي له. لكن من يعلم؟ ربما يُكشف لنا يوماً سر هذا “الإبداع الإداري”، وندرك أن الأهداف كانت أكبر من مجرد تطوير التعليم، بل نقلنا نحو مستوى آخر من الطموح الإداري المتفرد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى