مجتمع

كيف ساهم الاستعمار الفرنسي في تفشي ظاهرة الرشوة بالمغرب

دابا ماروك

من بين أهم الأسئلة التي تشغل الكثيرين هي: كيف وصلت الرشوة إلى المغرب؟ ومن لقن المغاربة هذا السلوك الذي تحول من هدايا عابرة إلى ضرورة مادية تفرض نفسها في مختلف التعاملات اليومية؟ الإجابة تتطلب العودة إلى الفترة الاستعمارية، حيث بدأ تأثيرها يتسلل إلى المجتمع المغربي عبر أنماط جديدة من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية.

بداية القصة: السيطرة الاستعمارية وتأسيس أساليب التواصل

في بداية الاحتلال الفرنسي، كان هناك تواصل محدود بين المغاربة والمسؤولين الاستعماريين، قائم على أساس من الثقة المشروطة. ومع مرور الوقت، بدأ بعض الأشخاص في ابتكار وسائل جديدة لتسهيل التفاعل مع السلطة الاستعمارية. فقد وجدوا في تقديم الهدايا الرمزية وسيلة لتحصيل امتيازات، مثل تسريع الإجراءات الإدارية أو الحصول على تسهيلات في المعاملات الرسمية. هذه الهدايا كانت في البداية بسيطة وذات قيمة رمزية، مثل منتجات محلية أو أشياء قديمة، حيث كان الهدف منها كسب ود المسؤولين الفرنسيين وتجنب مضايقاتهم.

من القصائد إلى الرشاوى: التحول المناخي للمفهوم

مع مرور الزمن وامتداد سيطرة الاستعمار الفرنسي على المغرب، بدأت الممارسات الاجتماعية في التحول بشكل تدريجي. ففي البداية، كانت العلاقات بين المغاربة والمستعمرين الفرنسيين تتميز ببعض من الزخارف الثقافية، مثل تبادل القصائد أو الهدايا الرمزية التي كانت تعدّ من مظاهر الضيافة والاحترام. وكان الهدف من هذه الممارسات البسيطة هو تعزيز العلاقات الشخصية والتخفيف من الإجراءات البيروقراطية.

ولكن مع تطور الأوضاع وامتداد فترة الاحتلال، بدأ الفرنسيون في استغلال هذه التفاعلات لأغراض شخصية، مما أدى إلى تغيّر المفهوم من تقديم هدايا صغيرة أو عروض شرفية إلى ممارسات مالية مباشرة. تحول هذا التبادل من كونها قصائد أو هدايا رمزية إلى رشوة صريحة، حيث بدأ المسؤولون الفرنسيون في تحديد مقابل مادي للحصول على تسهيلات أو امتيازات، مثل تسريع المعاملات أو تجنب الإجراءات المعقدة.

فمن كان يقدم القصائد والكلمات الجميلة في البداية، أصبح يقدم المال ليحصل على ما يريد. وهكذا، فإن العلاقات بين الشعب المغربي والمستعمر الفرنسي تحولت من مجرد علاقات اجتماعية إلى علاقات مادية بحتة، وأصبح المال جزءًا أساسيًا من المعاملات اليومية، مما رسّخ في المجتمع المغربي مفهوماً جديدًا للرشوة كوسيلة ضرورية لتحقيق الأهداف في ظل بيئة استعمارية.

رشوة ما بعد الاستعمار: ثقافة متجذرة في المجتمع

ومع انتهاء الاستعمار، لم تختفِ ظاهرة الرشوة من المجتمع المغربي، بل ازدادت عمقًا وأصبحت أكثر خطورة. فقد استمرت الرشوة في التسلل إلى مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة، وأصبحت جزءًا من التعاملات اليومية بين المواطنين والمسؤولين. هذا الواقع الجديد، الذي لم يكن سوى استمرار للممارسات التي تأسست خلال الفترة الاستعمارية، ساهم في تعزيز الرشوة كجزء من الثقافة الشعبية التي تبرر تقديم المال أو الهدايا لتجاوز البيروقراطية أو الحصول على امتيازات معينة.

دور التعليم والتوعية في مكافحة الرشوة

اليوم، بعد عقود من انتهاء الاستعمار، لا تزال الرشوة تؤثر بشكل سلبي على المجتمع المغربي. ومن هنا، تأتي أهمية التعليم والتوعية في محاربة هذه الظاهرة. يتطلب الأمر جهودًا مستمرة من أجل تعزيز قيم النزاهة والشفافية، سواء في المدارس أو من خلال حملات التوعية المجتمعية. يكمن التحدي في تغيير النظرة الاجتماعية إلى الرشوة، من ثقافة متسامحة مع هذه الممارسات إلى مجتمع يعترف بأضرارها على المدى البعيد.

مواجهة جماعية من أجل بناء مجتمع خالٍ من الفساد

إن الرشوة في المغرب ليست ظاهرة حديثة، بل هي نتاج طويل الأمد لتأثيرات الاستعمار الفرنسي. فقد أسس المستعمرون نظامًا استغل فيه الشعب المغربي وسلوكياته الثقافية لتغذية فكرة الرشوة التي غزت المجتمع بعد رحيلهم. واليوم، تبقى مسؤولية محاربة الرشوة جماعية، ويتطلب الأمر انخراط الجميع من مسؤولين ومواطنين لبناء مجتمع يقوم على النزاهة والمساواة، ويستعيد القيم الأخلاقية التي كانت سائدة في الماضي قبل أن تتغلغل فيها هذه الظاهرة.

 الأمر لم ينحصر في المغرب لوحده، بل طال كل المستعمرات التي مرت منها فرنسا

إن تأثير الاستعمار الفرنسي لم يكن مقتصرًا على المغرب فقط، بل شمل العديد من البلدان التي مرت تحت وطأة الاستعمار الفرنسي. فقد تركت فرنسا بصماتها على الثقافات والتقاليد المحلية، محدثة تغييرات جوهرية في هيكل المجتمعات التي استعمرتها. في هذه المستعمرات، تم فرض أساليب وأعراف جديدة تتماشى مع المصالح الاستعمارية، مما أفضى إلى تأثيرات ممتدة على النواحي الاجتماعية والاقتصادية، ومنها ظهور ظاهرة الرشوة التي تأصلت في العديد من هذه البلدان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى