مجتمع

حين يتحول أبطال السياسة والنقابة إلى خبراء التغيير الكرتوني!

دابا ماروك

كان لدينا مثال رائع في زمن الطفولة، حيث بروس لي كان بطل أفلام الكاراتيه دون منازع. وكما يُحكى، كان بروس لي “مصلح الزجاج” الأذكى، فهو لا يقوم فقط بإصلاح الزجاج المكسور، بل كان على الأرجح يعقد اتفاقات سرية مع بعض الصغار لتكسير الزجاج كي يحضر لاحقًا كالبطل القادر على إصلاحه. وبهذه الطريقة يضمن لنفسه “عملًا” ومصداقيةً كافية ليبقى دائمًا في الصورة، فكلما زاد الكسر، زادت فرصه “للتدخل”.

وبينما كان بروس لي يسوّق مهارته “الفنية” بأقوى العروض المسرحية، نجد اليوم أمثالًا من سياسيين ونقابيين ممن يستغلون المعلومة وينتهجون سياسة “التكسير” ذاتها ولكن بوسائل أكثر “احترافية” و”حضارية”. فهؤلاء لا يحملون صناديق زجاج، بل يظهرون على الساحة لتكسير الأفكار وإعادة بناء “الواقع” بصورة توحي للجميع أنهم هم مَنْ أخرجوا العصا السحرية لإنقاذ الموقف، بينما الحقيقة، كما نعلم، مغايرة تمامًا.

اليوم، عندما نشاهد الاحتجاجات والشعارات اللامعة، نجد من يبذلون مجهودًا خارقًا لخلق صورة البطل الوطني، وكأنهم وحدهم من يقودون معارك التغيير، ويحررون المجتمع من كل شروره بعبارة “نحن هنا!” ولعل هؤلاء ممن أتقنوا فن “الظهور الاستعراضي” يعتقدون أن وجودهم أمام الكاميرات يعني أنهم من يحركون الأمور من خلف الكواليس.

أما الاحتجاجات، فهي تظل، في كثير من الأحيان، مجرد حركات “بريك دانس” سياسي، لالتقاط الأنظار واستعراض الأدوار التي لا تضيف شيئًا يُذكر للواقع، ولكنها تضمن لهم مساحة كبيرة على شاشات العرض العام. بينما في الحقيقة، المؤثرون الحقيقيون قد يكونون خلف الستار، حيث يُدفعون إلى الأمام إذا ما احتاج الأمر إلى “وجه” يتحدث باسمهم أو يجني ثمار جهد جماعي، فيما يتركون “الهمزات” و”الامتيازات” لمن يحبها ويجيدها.

ومع هذا الأسلوب، يأتي السؤال: هل هؤلاء هم فعلاً من صنعوا التغيير؟ أم أن الظروف ساقتهم ليكونوا في الوقت والمكان المناسبين؟ ويبقى السؤال الأهم: هل ستظل “أجورهم” في انتظارهم، أم سيضطرون لاستكمال مسيرتهم في حصد بطولات اللحظة؟

الأمر يشبه ذلك الطفل الذي كان يتلقى “التوجيهات” لكسر الزجاج ليظهر بعدها “مصلح الزجاج” كالبطل المنقذ. اليوم، نرى أبطالًا من نفس النوع، لكنهم ليسوا من “ذهب” بل من “كارتون”، يركبون على الأمواج السهلة ويتظاهرون بالبطولة دون أن يرمش لهم جفن من جراء “الإبداع” الفاشل في المجهود.

فهؤلاء يهرولون إلى مقدمة الأحداث عندما يبدأ “الفرج” بالظهور، ليتسلقوا الإنجازات ويوهموا الجميع أنهم أصحاب الفضل الأول. ويزيدون على ذلك بتبني استراتيجيات ليست من صنعهم، بل يرثونها كالأثاث المهترئ، فقط لإيهام الجمهور أن النصر جاء على أيديهم. لكن الثقة الزائدة واحتقار الآخرين في النهاية ينكشفان أمام الأذكياء، الذين يرون المسرحية ولا تفوتهم كواليسها.

ربما حان الوقت ليعرف هؤلاء “الأبطال” أن تلميع الصورة دون مجهود حقيقي لا يصمد أمام الحقائق، وأن الأذكياء لن تنطلي عليهم مسرحية “التكسير والإصلاح” حيث الحقيقة عارية وراء الستار.

أخيرًا، نحن دائمًا مع التغيير الإيجابي الذي يأتي بجهود حقيقية وتضحيات ملموسة. لكن استعراض العضلات “الكرتونية” لمجرد الاستفادة من معلومة مسربة هنا أو هناك، والركوب على هذه الفرص في أفلام هزلية لا يقدم ولا يؤخر. فالتحايل السياسي أو النقابي الذي يعتمد على الضجيج وليس الفعل الحقيقي، لا يُنتج سوى أبطال من ورق، سرعان ما تتطاير صورتهم عند أول اختبار حقيقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى