دابا ماروك
بعد مرور تسع سنوات على توقيف نشاط مصفاة “سامير” للبترول في مدينة المحمدية، بدأت الأنظار تتجه من جديد نحو استئناف عمل هذه المنشأة الحيوية التي تعدّ إحدى الركائز الأساسية لتأمين حاجيات المغرب من المنتجات البترولية. فقد أفادت مصادر مطلعة، طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن إجراءات إعادة تشغيل مصفاة “سامير” دخلت مراحل متقدمة، حيث جرى خلال الأشهر القليلة الماضية اتخاذ الخطوات التمهيدية الضرورية لعودة المصفاة إلى النشاط.
ومن المنتظر أن تبدأ أعمال الصيانة الدقيقة للمصفاة، والتي تشمل عمليات واسعة النطاق لضمان جاهزيتها، مع انطلاق عمليات الصيانة في شهر يناير المقبل. وحسب المعلومات المتاحة، ستبدأ هذه الأعمال بعملية “السفع الرملي” التي تهدف إلى إزالة الصدأ والشوائب المتراكمة على جدران صهاريج التخزين الكبيرة، ما يُمكّن من الحفاظ على هيكلية الصهاريج ويسهل عمليات الصباغة اللاحقة، لضمان جاهزية هذه المرافق لتخزين كميات ضخمة من المنتجات البترولية دون مشاكل تذكر.
وأوضحت المصادر ذاتها أن هذه الصيانة تمثل مرحلة مهمة لتهيئة المنشأة للعودة التدريجية إلى التشغيل، حيث ستتبعها خطوات أخرى تندرج ضمن إطار إعادة تأهيل كافة وحدات الإنتاج والضخ والتكرير، ما يعكس توجهًا رسميًا نحو إعادة بعث نشاط “سامير” بما يتناسب مع احتياجات السوق المغربية للطاقة، خاصةً في ظل الاضطرابات العالمية الحالية في قطاع النفط.
وفي السياق نفسه، أكد المصدر ذاته أن الحقوق والمكتسبات المرتبطة بالطبقة العاملة في “سامير” ستكون مضمونة، إذ جرى التنسيق مع الجهات المعنية لضمان عودة العمال إلى مواقعهم وفق شروط تحفظ استقرارهم الاجتماعي والاقتصادي، بما يشمل حقوقهم المكتسبة طيلة سنوات العمل السابقة. وتأتي هذه الضمانات بمثابة دعم معنوي للعمال، الذين عانوا بسبب توقف المصفاة عن العمل، حيث يُنظر إلى الحفاظ على حقوقهم كخطوة إيجابية تعزز من الثقة في المشروع ككل.
ومن الجدير بالذكر أن مصفاة “سامير” كانت تمثل أحد مصادر الإنتاج الوطني للمنتجات البترولية قبل توقيفها في عام 2015، ما دفع البلاد إلى الاعتماد بشكل كبير على استيراد المنتجات البترولية المكررة لتلبية الطلب المحلي المتزايد. لذلك، يُعدّ استئناف نشاط “سامير” خطوة استراتيجية مهمة لتعزيز الأمن الطاقي الوطني، وتخفيف أعباء الاستيراد وتعزيز قدرة البلاد على مواجهة تقلبات الأسعار في السوق الدولية.
ويتوقع العديد من المتابعين أن تشكل عودة “سامير” إلى العمل دعمًا إضافيًا للاقتصاد المحلي، فضلاً عن توفير فرص عمل جديدة، وتقليل الاعتماد على الأسواق الدولية في مجال تزويد البلاد بالوقود.
إن قرار استئناف نشاط مصفاة “سامير” لا يمثل مجرد خطوة اقتصادية تهدف إلى إنعاش المجال الصناعي والسوسيو-اقتصادي لمدينة المحمدية فحسب، بل يحمل تأثيرات إيجابية شاملة تعود بالنفع على المغرب ككل. فتشغيل المصفاة من جديد يعني تعزيز استقلالية البلاد في مجال الطاقة، مما يقلل من الاعتماد على الواردات البترولية المتذبذبة الأسعار، ويمنح المغرب مرونة أكبر في مواجهة التقلبات التي يشهدها السوق العالمي للنفط.
على المستوى الاجتماعي، يسهم هذا القرار في استعادة فرص العمل لمئات العمال والإداريين المباشرين وغير المباشرين، سواء من أصحاب الخبرات الفنية المتخصصة أو من العاملين في مجالات الخدمات اللوجستية والدعم. هذا من شأنه أن يُحفّز النمو الاقتصادي المحلي، حيث إن خلق فرص العمل وإعادة ضخ الاستثمارات في المحمدية يسهم في تعزيز قدرات الإنفاق والاستثمار في مختلف القطاعات، ويزيد من التنافسية الاقتصادية للمدينة، ويرفع من مستويات المعيشة فيها.
أما على المستوى الوطني، فإن تشغيل “سامير” يُعدّ جزءًا من استراتيجية أوسع لتعزيز البنية التحتية للطاقة في المغرب. فمن خلال تكرير المنتجات البترولية محلياً، يمكن للمغرب خفض تكاليف النقل والاستيراد، إلى جانب تخفيف الضغط على العملة الصعبة اللازمة لتوريد هذه المنتجات من الخارج. وبهذا، فإن استئناف نشاط “سامير” يدعم الاقتصاد الوطني، ويمنح المغرب دوراً أكثر توازناً في المنطقة في مجال الطاقة، مما يعود بالفائدة على الاقتصاد المغربي والمستهلكين على حد سواء.
كما نتمنى صادقين أن يتم استبعاد كل من ساهم في إغلاق هذه المعلمة الاقتصادية المهمة، وأن تتخذ السلطات المختصة الإجراءات اللازمة لضمان عودة نشاط “سامير” دون محاباة ساسة آخر الزمن أو تدخلات تعيق تقدم المشروع أو تضر بمصالح العمال والاقتصاد الوطني. إن إبعاد الأطراف التي ساهمت في إغلاق المصفاة سابقًا سيكون بمثابة خطوة ضرورية لتحقيق الشفافية والثقة في إعادة بناء هذه المنشأة الحيوية، وضمان استدامة عملها مستقبلًا لتبقى دعامة قوية تعزز الاقتصاد المحلي وتدعم استقلالية المغرب في مجال الطاقة.